قصّة رجل وحيد يواجه التنّين

قصّة رجل وحيد يواجه التنّين

22 ديسمبر 2020

مشهد من إطفاء حرائق انفجار مرفأ بيروت (5/8/2020 حسين بيضون)

+ الخط -

إنها قصّة رجلٍ وحيدٍ يحارب شبكةً متماسكة من المرتزقة الفاسدين، ويتّحد لمواجهته الأعداءُ من المتورّطين. إنها قصّة بطولة نرجو ونصلّي ألا تنتهي إلى قطع يديْ الرجل عقابا، إلى فقء عينيه، أو اغتياله وتعليق جسمه في الساحات لكي يعتبر بمصيره من لا يعتبرون. الرجل الوحيد هو المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوّان، أما التنّين أو أعضاء المافيا فهم أعضاء الطغمة الحاكمة، الفاسدة، التي لم تترك جُرما وذنبا ومخالفة لم ترتكبها في حقّ لبنان واللبنانيين، وذلك منذ إنهاء الحرب الأهلية واستلامها مقاليد السلطة، من دون محاكمة أو محاسبة، وإنما في ظلّ عفو شامل أتاح للقتلة إياهم أن يتشاركوا غنائم السلطة ويمضوا في هندسة الخراب.
أما القصّة فهي التالية: لقد طلب القاضي صوّان من مجلس النواب التحقيقَ مع وزراء للاشتباه في تقصيرهم بخصوص تخزين مادة نترات الأمونيوم في العنبر 12 في المرفأ، منذ سبع سنوات، ما أدى إلى انفجار المرفأ في 4 أغسطس/ آب. رفض المجلس، فقام القاضي في العاشر من ديسمبر بالادّعاء على مسؤولين أربعة، هم رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، وثلاثة وزراء سابقين هم وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزيرا الأشغال السابقان غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، بتهمة الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة مئات الأشخاص وجرحهم. وقد جاء قراره "بعد التثبّت من تلقّيهم عدّة مراسلات خطّية تحذّرهم من المماطلة وعدم قيامهم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتلافي الانفجار المدمّر وأضراره الهائلة". لم يحضر أيّ منهم الجلسات المعيّنة لاستجوابهم، بل قدّم اثنان منهم، مقرّبان من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، قدّما دعوى ارتياب، طالبين من النيابة العامة التمييزية نقل الدعوى إلى قاضٍ آخر، مع اتهام صوّان بخرق الدستور. بناء عليه، أوقف صوّان إجراءات التحقيق كافة، لعشرة أيام، بانتظار أن تبتّ محكمة التمييز بطلبهما هذا. جهاتٌ سياسية عدّة رأت أن القاضي، بادّعائه على نواب ووزراء، يخرق الدستور، في حين اعتبر خبراء وقضاة ومحققون عدليون سابقون أن الحصانة الدستورية لا تشمل استغلال الوظيفة الوزارية، ولا ممارسة الفساد والقتل، وأنها إنما تقتصر على الإخلال بالوظيفة.
مهلة العشرة أيام بدأت يوم الخميس الماضي، في 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، والقرار النهائي في يد رئيس محكمة التمييز الجزائية، القاضي جمال الحجّار، الذي يقال إنه محسوب على الرئيس المكلّف. يتوقّع اللبنانيون أن يكون القرار سياسيا بامتياز، فيما يصلّون في سرّ قلوبهم لحدوث معجزة ما بين العيدين، تقيم وزنا للعدالة وتُحاسب الظُلّام. إذا تمكّن القاضي من نزع حجر واحد من الجدار، فستتهاوى حجارتُه جميعا. يُدرك المتّهمون هذا، لذا تراهم يتماسكون ويتراصّون. نحتاج معجزةً، ليس أقلّ. لكنّ المعجزات قلّما وقعت في لبنان. المعجزات لا تحبّ منطقتنا إجمالا. ومع ذلك، لعلّ وعسى أن يصحو ضميرُ القضاء ليحوّل مسارَنا نحو الخروج من هذا النفق الخانق، حيث نحيا منذ عقود. لا نحتاج أكثر من قضاءٍ نزيهٍ يُحاسب ويُعاقب ويُبرئ. لقد تجرّأ القاضي صوّان، وقام بخطوة أولى عملاقة نحو محاسبة الفاسدين، فلمَ لا يخطو القاضي الحجّار خطوة مماثلة، مانحا زميلَه حق المساءلة وممارسة العدالة؟
لا تخف، حضرة القاضي، ولا تتردّد، واحتكم إلى ضميرك، لأن البلد بات يحتاج أبطالا قادرين على التضحية وإعطاء المثال. أنت من يُمسك بيده قرارَ هلاك لبنان أو انبعاثه، إما بالخضوع للضغط السياسي، أو من خلال مساعدة القضاة نظيفي الأيدي على الاستمرار. يحتاج لبنان إلى من ينظّفه من الدرنات، إلى من ينزع قيئه، يخيط جراحه، يمدّه بالمصل، فلا تدعهم يحركّونك كما لو كنتَ دمية، قل لهم لا ولا تخف، فهذي المرة لن تكون وحيدا لأننا كثرٌ معك، وراءك، أمامك.
نحن، شعب لبنان، نصلّي راكعين متوسّلين حدوث معجزةٍ في نهاية العام، تساعدنا على تحرير بلادنا من مافيا القتلة والمجرمين!

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"