"قسد"... ورقة مخيّمات الهول

12 يناير 2025
+ الخط -

قبل تحرك القوات المهاجمة من شمال سورية متجهة نحو دمشق بشهر تقريباً، كانت الولايات المتحدة قد دعت، في مؤتمر في واشنطن، إلى مواصلة الضغط على متطرّفي "داعش"، وأعلنت الدول المجتمعة تقديم 148 مليون دولار لتمويل أمن الحدود وعمليات مكافحة الإرهاب في أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا الوسطى، وقال وزير الخارجية بلينكن، في مستهل الاجتماع، إن بلاده ستقدم أيضاً 168 مليون دولار لصندوق الاستقرار في العراق وسورية. رغم أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد أعلن، قبل أربع سنوات من هذا الاجتماع، أن التحالف قد قضى على تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق بنسبة 100%! ولكن وجود التحالف، من الناحية التقنية، استمرّ، بجسده العسكري المخفّف جدّاً في المنطقة. ففي إطاره، نفذ الطيران الفرنسي قبل أسبوع ضربة جوية على هدف في البادية السورية، قال إنه تابع لتنظيم الدولة الإسلامية. وكانت رقعة التنظيم قد انحسرت فعلاً، ولكنها أنتجت مخيّمات وسجوناً تحوي حوالى مائة ألف شخص، موزّعين ما بين مقاتل وامرأة وطفل، وهم حتى اللحظة موجودون ما بين مخيمات الهول وعين عيسى والروج، وفي سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشرف، مباشرةً، على هؤلاء الأسرى وعائلاتهم. وكانت "قسد" منذ انتهاء المعركة، وحشر كل هؤلاء في مكان واحد، قد أبدت تبرّمها من وجودهم، وحارت الدول المنضوية تحت راية التحالف ضد "داعش" بهم، وظلّ هؤلاء بوضعهم الإنساني المزري حتى سقوط النظام في دمشق.

هروب الأسد قبل شهر، وبدء الحوار العسكري والدبلوماسي بين إدارة العمليات المنتصرة وقوات "قسد"، جعلا موضوع عائلات "داعش" يطفو بقوة على السطح من جديد. وجاء ذكرهم ضمن البنود التي نوقشت على طاولة البحث بين إدارة أحمد الشرع الجديدة وقائد "قسد"، مظلوم عبدي، وأظهر كل طرفٍ حرصه على التمسّك بهذا الملف الذي بدا، في هذه اللحظة، أثمن مما كان متوقّعاً، فلطالما أبدت "قسد" قلقاً من هؤلاء، وناشدت، بطرق عدّة، تخليصها من هذا الملف بترحيل المعتقلين، كلٌّ إلى بلده الأصلي، أو محاكمتهم والتعامل معهم بشكل قانوني، وإغلاق الملف، ولكنها في محادثاتها مع الشرع تمسّكت لنفسها بإدارة السجون والمخيّمات، ووضعت هذه القضية ضمن أولوياتها.

الصراع الحالي والسجال السياسي والعسكري بين "قسد" ومكونات السلطة الجديدة يمكن أن ينعكس على وضع هذه المخيّمات، خصوصاً أن ظروف الاعتقال والحجز والإقامة الجبري، حوَّلت المخيمات إلى ما يشبه "غيتو" تُرسَّخ فيه الأفكار التقليدية للتطرّف وتُقدَّم إلى الأطفال الذين يبلغ عددهم أكثر من نصف التعداد الكلي للمعتقلين. ويمكن لهذا الأمر أن يُنشئ، من دون قصد، جيشاً آخر من القادرين على حمل السلاح، ولديهم فكر متطرّف يشكل خطراً على الجميع. وقد أشار عبدي في تصريح له إلى أن خطر "الدولة الإسلامية" قائم، وهذه المعسكرات ما هي إلا من أوجه الخطورة، وأن تصعيد الصراع ضد قواته قد يؤدي بهؤلاء إلى أن يصبحوا خارج سجنوهم ومعسكراتهم.

من الصعب أن يعيد التحالف الدولي اليوم تجهيز قوته الفائقة وحشد الحلف العسكري ضد سكان المخيم المؤمنين بفكر "داعش"، مع محدودية الوجود الأميركي في الميدان الذي لا يتجاوز الألفي جندي في شمال شرق سورية، وقد أوجد التغير الحاد الذي حدث في دمشق مع سقوط نظام الأسد وضعاً جديداً، يحتاج، بالضرورة، إلى اتفاق بين سلطات دمشق و"قسد" بسرعة، ويمكن أن تتعقد الأمور قليلاً مع إصرار تركيا على أولوية طرد عناصر حزب العمال الكردستاني من سورية، ونزع السلاح من الجانب الكردي وحصره بالجانب السوري الرسمي. أما في حال قبول تركيا وجود "قسد" باعتبارها كياناً عسكرياً مستقلاً ضمن الجيش السوري الجديد، فقد يحلّ المسألة مؤقتاً، ولكنه يبقي على الوضع البائس للسجون والمخيمات، وهو عبء آخر على حكومة دمشق، وربما على الدول أن تجد له حلاً.