Skip to main content
قبضة بايدن في الشرق الأوسط
فاطمة ياسين
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأميركي بايدن في جدة (15/7/2022/Getty)

قبل أن نتابع مصافحة جو بايدن محمد بن سلمان قبضةً لقبضة، كان قد أثير لغط إعلامي عن أن الولايات المتحدة تحت ظل إدارة بايدن لا تعدّ الشرق الأوسط من أولوياتها، لأن الرئيس الأميركي منغمسٌ حتى أذنيه في تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولة تطويق روسيا، وتكبيدها أفدح الخسائر، من دون أن يخلع قفازيه، ومشغولٌ، على الناحية الأخرى من الكرة الأرضية، في تتبع الخطوات الصينية، وتقفي آثار خطّة الحزام وطريق الحرير، التي تستثمر فيها الصين، أموالا كثيرة لبناء جسور تتغلغل من خلالها في الدول، ما يثير قلق بايدن، ويجعله غير متفرّغ للشرق الأوسط. ولكن بايدن، وسط ذلك كله، بدأ زيارة إلى إسرائيل ملتقيا قادتها، ثم عرّج سريعا على بيت لحم ليجتمع ساعة ونصف الساعة مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، ثم وعبر مطار بن غوريون يطير إلى السعودية، وهي رحلة شاقّة يظهر فيها بايدن شغفا غير عادي بالشرق الأوسط! ولكن هل تنتمي هذه الزيارة إلى الإرث الأميركي الذي دأب عليه معظم رؤساء أميركا في تخصيص بضعة أيام لزيارة الشرق الأوسط، أم هي زيارة مخطّطة لاستكمال المنظومة السياسية التي يريد بايدن بناءها خلال مدة رئاسته، والتأسيس لفترة مقبلة؟

سمع الإسرائيليون من بايدن ما يريدون سماعه، أن إيران لن تمتلك السلاح النووي أبدا. ويبدو أن هذا الأمر هو إرادة أميركية مطلقة وغير مرهونة برئيسٍ بعينه. تدلّ على ذلك كلمة "أبدا" التي تفيد الإطلاق! صرّح بايدن بذلك، من دون أن يذهب بعيدا إلى إمكانية شنّ حربٍ على إيران أو حتى السماح لإسرائيل بفعل ذلك، بمعنى أنه ما زال مقتنعا بأنه قادرٌ على إبقاء إيران بعيدة عن العتبة النووية من خلال السياسة فقط، رغم أن الاتفاق النووي ما زال يراوح منذ شهور في أدراج الدبلوماسية.. ما قاله بايدن أسعد قادة إسرائيل المؤقتين، ولكنه غير كاف، حيث يرغب اليساريون هناك في خطواتٍ أخرى، ليضمنوا عدم عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، فموقفٌ مختصرٌ كهذا سيجعل السعادة تتبخّر سريعا ويحل محلها القلق الانتخابي.

سمع عبّاس أيضا ما يرغب بسماعه من بايدن، أن حلّ الدولتين ما زال أفضل الحلول، وأنه يعتقد أن لفلسطين الحق في عاصمة تقع في إحدى ضواحي القدس، وهو موقفٌ تقليديٌّ عادة ما يكرّره الرؤساء الديمقراطيون، فيما لو تسنت لهم مقابلة مسؤولين فلسطينيين. ولكن بايدن حتى اللحظة لم يفِ بوعد سابق له، بخصوص إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وكان قد تعهّد بإعادة فتحها لو انتخب رئيسا، ويبدو أنه تلقّى تحذيرا من بعض الإسرائيليين بأن إعادة فتحها قد تجعل بعض الناخبين الإسرائيليين يتوجهون يمينا، ما سيمنح نتنياهو أفضلية! كان بايدن على عجلةٍ من أمره في لقائه مع عبّاس، فقال ما يريد قوله، وهرع إلى المطار مسرعا، فهو على موعد في جدّة، ربما هو بيت القصيد من هذه الزيارة كلها.

السعودية هي الدولة التي تعهّد بايدن بجعلها دولة منبوذة، وها هو يلتفّ على وعوده، ويقفز فوق كل ما قاله سابقا ليجد نفسه في مطار جدّة، وبين يديه طلب واحد، زيادة منتجات النفط لمواجهة أزمة عالمية بدأت بعد الحرب في أوكرانيا. قد يشفّ هذا الطلب بأن سياسة بايدن بالفعل غير معنية بالشرق الأوسط، وأنه بالفعل متفرّغ لمحاربة الصين وروسيا، فمطلب زيادة النفط يسدّ الطريق على الضغوط الروسية التي تحارب بسلاح الطاقة وتقتّر بها على أوروبا، ما أوقع الأخيرة في ورطةٍ اقتصاديةٍ جعلت عملة اليورو تهوي بشكلٍ لم تشهده سابقا. يبدو بايدن مستعدّا للتخلّي عن وعوده التي انتُخب على أساسها، في سبيل تحقيق سياسة راهنة، حتى لو اضطر لزيارة محمد بن سلمان.