في يوم المرأة العالمي
في تنويعٍ مؤثر ومعبّر، يقول الشاعر الفلسطيني الراحل مُريد البرغوثي: "سيّدة تعرف كلّ محلّات الفضة في باريس وتشكو/ سيدة تبكي كل خميس في خمس مقابر وتكابر". وفي اليوم العالمي للمرأة الذي مرّ أمس، 8 مارس/ آذار، لن نجد أبلغ مما قاله مُريد، في التعبير عن التقدير لنساء فلسطين، خصوصاً في غزّة، اللواتي كابدن وما زلن الفواجع المتتالية بسبب العدوان الهمجي الإسرائيلي، حيث استُشهد منهن ما يتعذّر عدّهن، وفقدت أخريات أبناءهن وبناتهن، ومنهم رضّع كثيرون، ودمّرت بيوتهن وهجّرن منها، وأصبحت الكثيرات منهن أرامل يواجهن صعاب الحياة وحيدات. وما واجه نساء غزّة من صعاب ينطبق، بنسب متفاوتة، على النساء في الضفة الغربية والسودان واليمن وسورية وغيرها من البلدان المبتلاة بالحروب الأهلية والتدخّلات الخارجية.
تحملنا هذه المناسبة، يوم المرأة العالمي، على تذكّر البدايات التي تعود إلى عام 1910، حيث اقتُرِح 8 مارس يوماً له لأولّ مرة في مؤتمر دولي للمرأة العاملة عُقد في الدنمارك، ليُحتفَل به فعلياً عام 1911 في عدّة دول. ومع السنوات، تحوّل إلى حدث سنوي عالمي، يعكس نضال المرأة من أجل المساواة والعدالة والحرية، وأصبح هذا اليوم أمميّاً بعد أن تبنّاه المؤتمر الأول لاتحاد المرأة العالمي في باريس عام 1945، قبل أن تتبناه، لاحقاً، هيئة الأمم المتحدة.
الغاية من إحياء هذه المناسبة تسليط الضوء على القضايا الملحّة الماثلة أمام المجتمعات المختلفة، والمتّصلة بتعزيز حقوق المرأة، ومحاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين في جميع المجالات، سواء في العمل أو السياسة أو التعليم، إضافةً إلى الوقوف عند تضحيات النساء في العالم، كذلك يمثّل فرصة للاحتفال بإنجازات المرأة عبر التاريخ، والتخطيط لمستقبلٍ أكثر إنصافًا وعدالة. ولعلّنا هنا نتذكّر ما قالته الناشطة النسوية والكاتبة الأسترالية جيرميان جرير: "كلّ المجتمعات التي على حافّة الموت رجولية.. لا مجتمع يستطيع النجاة من دون النساء"، فالتجربة الملموسة في كل المجتمعات، ومن دون استثناء، تظهر أنّه من دون دور المرأة الفاعل، كانت في موقع القرار أو خارجه، لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدّم فحسب، بل أن يمارس دورة الحياة الطبيعية، معيشياً واقتصادياً واجتماعياً.
قبل نحو سبعة عقود، في 1960، وبمناسبة 8 مارس ذاته، نشر المُفكر الشهيد حسين مروّة مقالاً في صحيفة النداء، اللبنانية، أعادت ابنته هناء نشره على صفحتها قبل يومين، كتب فيه: "حين يكونُ المجتمعُ رازحاً بأعباء الأنظمة الاستعبادية، وحين يعاني مكارِه هذه الأنظمة، على اختلاف أشكالها وأساليبها وظروفها التاريخية، لا يختصُّ الرجل دون المرأة، ولا تختصُّ المرأةُ دون الرجل، بمظالم العيْش في مثلِ هذا المجتمع، وإنما الأمرُ سواء بينهما: فالبلاءُ هوالبلاء، والمحنة شاملة، إنّ نضالَ المرأة، في كلّ زمان وكلّ مكان، من أجلِ انتزاعِ حقٍّ من حقوقها، إنما كان نضالاً من أجل قضية الإنسانِ عامة، نضالاً من أجل حقِّ الإنسان، لتحرير المجتمعِ ككلٍّ عام".
وقف مروّة، في هذا القول، عند جوهر قضية المرأة، وهذا ما نحن شهود عليه اليوم في عالمنا العربي، فما شهدناه من متغيّرات اجتماعية وديمغرافية وثقافية أدّى إلى انكسار البرامج التحديثية، بما في ذلك ما يتّصل بالموقف من قضية المرأة التي كانت مسألة محورية في فكر النهضة العربي. وعلينا رؤية الجانب الآخر من الصورة؛ النساء العربيات لا يستسلمن للصعوبات على شدّتها. إنّهن في الخطوط الأمامية للحياة، في جبهات التعليم والعمل وبناء الأسرة وصوْنها، في زمن الصعوبات والحروب والفتن، مؤكّدات أنه "لا مجتمع يستطيع النجاة دونهن".
يبدو موفقاً تماماً أن يكون الشعار الذي اختير لإحياء احتفالات هذا العام (2025)، بمناسبة 8 مارس، "تسريع العمل نحو المساواة"، فهو شعارٌ يحثّ على اتخاذ خطوات أكثر سرعة وفعالية في تحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على الفجوات التي تعوق تقدّم المرأة في مختلف المجالات، لأنه إذا استمرّت معدلات التقدم الحالية في تحقيق المساواة بين الجنسين، فقد يستغرق الوصول إلى التكافؤ الكامل مساراً يصل إلى عام 2158، أي بعد أكثر من خمسة أجيال، ما يستدعي تحرّكاً عاجلاً لتسريع الإصلاحات وإزالة التحدّيات التي لا تزال تواجهها النساء، ومضاعفة جهود تمكينهن.