في موقف الاحتلال من انقلاب السودان

في موقف الاحتلال من انقلاب السودان

28 أكتوبر 2021
+ الخط -

لأنَّ الصفة الانقلابية كانت أوضح في السودان، ولأسبابٍ أخرى محتملة، جاءت الإدانات الدولية، أوضح، بالمقارنة مع ما حدث في مصر، ثم في تونس؛ من الأمم المتحدة، إلى الولايات المتحدة، إلى الاتحاد الأوروبي، والأفريقي، وبريطانيا، حتى روسيا لم يعجبها هذا التغيير. هذه المواقف المعلنة، لفظيًّا، أما المواقف العملية، لكلٍّ مِن تلك الجهات، والدول، فتحتاج متابعة. وإنْ كانت الولايات المتحدة شرَعت بموقفٍ عملي، وهو تعليق مساعداتها المالية للسودان، المقدَّرة بـ700 مليون دولار، بعد سيطرة الجيش على الحكم، وصاحَب ذلك تشديدُ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على وجوب "إعادة السلطة، فورًا، إلى الحكومة الانتقالية، التي يقودها مدنيون، والتي تمثّل إرادة الشعب".

أما في ما يتعلق بموقف دولة الاحتلال من انقلاب السودان، فلم يصدُر موقف رسمي، وغالبًا هي تنتظر ما ستؤول إليه الأوضاع، في السودان، وما ستستقرُّ عليه المواقفُ الدولية، وتحديدًا الأميركي، ولكن صحيفة يسرائيل هيوم ذكرت أنَّ مصدرا إسرائيليًّا مطّلعًا على ما يحدث في السودان انتقد موقف الموفد الأميركي إلى منطقة القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، الذي لم يقبل الانقلاب في السودان. وكتبت الصحيفة أنَّ المصدر الإسرائيلي، الذي لم تسمّه، قال: إنه في ظلِّ الوضع السائد في السودان، يجدُر بالولايات المتحدة دعم الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، وليس رئيس الحكومة المدنية، عبد الله حمدوك. وحسبما قال، الانقلاب الذي نفَّذه البرهان "كان حتميًّا، ولا يمكن تفاديه، فمنذ فترة طويلة ورئيس الحكومة من جهة، ورئيس مجلس السيادة من جهة ثانية، يدفعان باتجاهين متناقضين، وكان واضحًا أنَّ الأمر سيصل إلى مرحلة حسم".

هذا الموقف الإسرائيلي، وإنْ لم يكن رسميًّا، إلا أنه يعكس توجُّهًّا مهمًّا، وقد يكون الأقرب إلى الموقف الرسمي الحقيقي، فالدافع والمعيار لدى إسرائيل هو ضمان استمرار التطبيع معها، متوازيًا مع "استقرار" السودان، وَفْق مفهومها للاستقرار الذي ينطلق من أهمية موقع السودان الجغرافي والاستراتيجي، وتأثيره عليها، والذي يضمن بقاء الأحوال الداخلية ضمن السيطرة، ولو على فسادٍ، واضطراباتٍ في الشعب عميقة، وإفقار متواصل.

الاحتلال والديمقراطية لا يتفقان، كما أن العنصرية الدينية والعِرْقية تتناقض مع مبادئ الديمقراطية

أما حديث دولة الاحتلال القديم والمتجدِّد عن الديمقراطية، وأنَّها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فليس إلا تضليلٌ ودعايةٌ كاذبة، تهدف إلى استمرار الدعم الغربي لها، واستدرار عطف الشعوب الغربية، وغيرها، وهو الأمر الذي بدأ يفقد مفعوله، على نحوٍ ملحوظ، بعد تكاثُر الإشارات على عنصرية إسرائيل، وانتهاكها حقوق الفلسطينيين الأساسية؛ إذ هي في صُلْب تعامُلها الواقعي واليومي مع الفلسطينيين والعرب، لا تنطلق من القيم الديمقراطية، ولا حتى من الإنسانية، إذ تطفو الاعتباراتُ الاحتلالية والعنصرية، سواء في السماح لليهود من سائر أنحاء العالم بالعودة، وتشجيعهم على ذلك، ومنع الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، في الداخل الفلسطيني، أو في الاستيطان الذي يلتهم الأرض الفلسطينية، (يجدد ذلك عزمُها بناء 1355 منزلًا استيطانيًّا في الضفة الغربية، لتضاف هذه الوحدات السكنية إلى أكثر من 2000 وحدة استيطانية من المتوقَّع أن تحصل، هذا الأسبوع، على الضوء الأخضر النهائي من وزارة دفاع الاحتلال) مانحةً المستوطنين، دومًا، مزايا فائقة، مقابل حرمان الفلسطينيين، حتى من المياه، كما حين جرفت قوَّات الاحتلال الإسرائيلي خطَّ مياهٍ، وطريقًا تربط قرى فلسطينية بِمَسافِر يطّا، جنوب الخليل. وكما في انتهاكها المستفزّ، والمتواصل، الأماكن المقدَّسة، من المسجد الأقصى، إلى انتهاك حرمات المقابر، كما يظهر في أعمال التجريف للمقبرة اليوسفية، الملاصقة لأسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، والتي تسعى سلطات الاحتلال إلى تحويلها إلى حديقةٍ توراتية، كجزء من مشروعٍ للمستوطنين، حول أسوار البلدة القديمة، ولتنظيم مسارٍ للمستوطنين والسياح، على رُفات المسلمين الموجودين فيها.

وبعد ذلك كله تتخذ صفة الدولة المسؤولة؛ فتصنّف ستِّ منظَّمات فلسطينية، غير حكومية، في الضفة الغربية "إرهابية"، وهو الأمر الذي انفردت فيه من بين دول العالم، حتى الولايات المتحدة نفسها، عارضت الخطوة، واستهجنتها. وخلاصة الأمر أنَّ الاحتلال والديمقراطية لا يتفقان، كما أن العنصرية الدينية والعِرْقية تتناقض مع مبادئ الديمقراطية.

لا نعدَم في انحياز دولة الاحتلال إلى الحُكّام الانقلابِّيين والمستبدِّين نظرةً استعماريةً استعلائيةً تُجاه الشعوب العربية

وينبع انحياز دولة الاحتلال إلى الانقلابيِّين من الحكّام والديكتاتوريِّين، من قناعتها برفْض الشعوب العربية لها، ولاحتلالها، وأنَّ تلك الشعوب لو مُثِّلتْ تمثيلًا حقيقيًّا في حكوماتٍ قوية، فإنها ستطيح اتفاقيات التطبيع والسلام.

ولا ننسى الظروف التي شكّلت موافقة السودان على الالتحاق باتفاقية أبراهام، إذ لم يَصْدُر الموقفُ السوداني الرسمي، بعد استطلاع آراء السودانيِّين، ولا باستفتاءٍ عام، مثلًا، ولا حتى بموافقة برلمانٍ منتخَب، كما يقتضي مثل هذا التحوّل الإستراتيجي، بل جاء في مَعْرِض حالةٍ انتقالية، ينهمك فيها السودانيُّون في مواجهة تحدّيات مصيرية، وجاء بأسلوبٍ فوقي، من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بل بأساليب ابتزازية، وتسويقية؛ بإغراءاتٍ مالية، وكان الثمن رفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب؛ الأمر الذي أدَّى إلى رفع الحظر عن المساعدات الاقتصادية والاستثمار له.

وبعد، لا نعدَم في انحياز دولة الاحتلال إلى الحُكّام الانقلابِّيين والمستبدِّين نظرةً استعماريةً استعلائيةً تُجاه الشعوب العربية، وكأنها تستكثر عليهم أنْ يحكموا أنفسهم، مقابل تبجُّحها بانتخاباتها الديمقراطية التمثيلية، كما لا نعدَم الهواجسَ الأمنية التي تتقدّم الاعتباراتِ الإنسانيةَ الحقوقية، وهي واجدةٌ في تجارِب عربية سابقة، وقريبة، وفي دولة مركزية، هي مصر، تعزيزًا لهذه النظرة، وهذا التعامُل.