في محبة عبد المنعم أبو الفتوح

في محبة عبد المنعم أبو الفتوح

08 اغسطس 2021
+ الخط -

يبقى لبعض المناضلين ألق وتوهج لا يبليان مهما مرّ الزمان، فضلاً عن أن يخفتا أو ينقصا. ومن الذين حرصوا على الجهر بكلمة الحق في جميع العصور التي وعى عليها، مهما تمادى استبداد الأنظمة السياسية، الطبيب النبيل، عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، والمرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية، وهو واحد من رموزٍ وطنية مصرية يشعر الجنرال عبد الفتاح السيسي، بعداوة شخصية معهم، ما دفعه إلى اعتقاله بعد عودته من لندن في فبراير/ شباط 2018، ليبقى المناضل، البالغ وقتها 67 عاماً، قيد الحجز الاحتياطي أكثر من ثلاث سنوات في سجن مزرعة طرة، معانياً من سوء أحوال المعيشة الشديد فيها وأمراضٍ، منها الانزلاق الغضروفي وعدد من الأزمات القلبية، بحسب ما أورد نجله حذيفة على صفحته على "فيسبوك".

قبل أن يبلغ عمره 16 عاماً، شارك الفتى عبد المنعم أبو الفتوح في المظاهرات المطالبة ببقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في السلطة عقب هزيمة 1967، غير أنه ما لبث أن أفاق على الواقع المرير شاعراً بالانكسار، متلمساً درب الكفاح والاجتهاد، فَدَرس في كلية طب القصر العيني في جامعة القاهرة، ليصبح رئيس اتحاد طلابها عام 1973، وفوجئ الرئيس الراحل أنور السادات بوقفته الرجولية أمامه في مؤتمر في الجامعة عام 1977، وكان أبو الفتوح وقتها الأمين العام لطلابها ومن أبرز شباب التيار الإسلامي، فندّد باعتقال زملائه من الحرم الدراسي وأجواء النفاق التي كانت البلاد تحياها وقتها. ولذلك، على الرغم من تخرّجه بعد شهور بتقدير عام جيد جداً، رفضت الجامعة تعيينه معيداً، ولم ينسها له السادات، فضمّه في "اعتقالات سبتمبر" (1981) الشهيرة التي سبقت مقتله (السادات) بنحو شهر، خصوصاً مع اعتراض أبو الفتوح على اتفاقية كامب ديفيد. ومع حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، ازداد نشاط أبو الفتوح في جماعة الإخوان المسلمين دعوياً وإغاثياً معاً، حتى شغل منصب الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء، فبادر النظام باعتقاله ضمن أبرز رموز الجماعة عام 1996، ليُحاكم في إحدى القضايا العسكرية الملفقة، ويناله حكم بالسجن خمس سنوات زاده توهجاً، حتى حصل في انتخابات تالية على منصب الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، مع استمرار انفتاحه على مختلف القوى والرموز السياسية، بل الأدبية، ومحبّته لها، حتى إنّه زار نجيب محفوظ في المستشفى بعد تعرّضه لحادث اعتداء في 1995، مُهدياً إليه قلماً فاخراً، وهو ما أدى حينها إلى هجوم حادّ لبعض الإسلاميين على أبو الفتوح، واجهه بالجرأة والشجاعة المعروفين عنه، مع مواظبته على انتقادٍ حادّ للنظام وقتها.

هو واحد من رموزٍ وطنية مصرية يشعر الجنرال السيسي بعداوة شخصية معهم

شارك الرجل في ثورة 25 يناير، وأسّس حزب "مصر القوية"، واشتهر برغبته في تجديد جماعة الإخوان المسلمين، وفُصل من مكتب إرشاد الجماعة بعد ترشّحه للرئاسة في 2012، من دون أن يستطلع رأي "الإخوان". وعلى الرغم من مباركة الشيخ يوسف القرضاوي، إلا أن الجماعة لم تلبث أن فصلته كلياً من عضويتها، فدأب على التأكيد أنه يمثل "الإخوان فكرياً". ومع ازدياد الفجوة بينه وبين التنظيم، خرج في تظاهرات 30 يونيو (2013)، لكنه عارض انقلاب "3 يوليو"، ليصبح على صعيد عداوة واحدة مع بعض رموز التنظيم الإخواني الذي قضى فيه أغلب عمره، وصرّح بأنه بكى لتمادي بعضهم في معاداته، ومع النظام الحاكم معاً.

لم يتأخر إعلان السيسي عن العداوة الفجّة غير المنطقية له، حتى قبل توليه الرئاسة، فبادره، في حوار مُسرّب في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، برميه بتهمة "التطرّف"، ثم أكد كلمات الصحافي المقرّب منه وقتها، ياسر رزق، أنّ الأخير يشبهه بـ"عضو مجلس إدارة تنظيم شواذ" وأنّه "أسوأ وأخطر من مرشد الإخوان ونائبه خيرت الشاطر لكن سهل تحطيمه.. تماماً"، بل زاد الجنرال على طريقة نجيب محفوظ في "الشيطان يعظ" أنّ "الإشكالية أنّه يتولى الأمر ناس مش (ليست) مدركة حجم ووزن مصر".

زار نجيب محفوظ في المستشفى بعد تعرّضه لحادث اعتداء في 1995، مُهدياً إليه قلماً فاخراً

صار الشجعان أعدى أعداء الجنرال، وخصوصاً أبو الفتوح الذي نافس على رئاسة مصر من قبل، وحصل على المنصب الرابع في 2012، بعد الراحل محمد مرسي، الذي انتُخب لاحقاً رئيساً للبلاد، ثم الفريق أحمد شفيق، المدعوم من المؤسسة العسكرية، ورفيق الشباب حمدين صباحي. وفي جميع الأحوال، لم يدعم أبو الفتوح لا إخوان ولا جيش ولا قوى مدنية بشكل منتظم، لكنّه حاز نحو سدس الأصوات الصحيحة في الجولة الأولى من انتخاباتٍ شارك فيها 13 مرشحاً، وراقبها السيسي بقسوة، ليقضي لاحقاً على أبرز رموزها، بالتسبب في استشهاد الرئيس مرسي، ومطاردة شفيق وووضعه في إقامة جبرية، وحرق صباحي تماماً بموافقته على الظهور خصماً "مزعوماً" أمامه في انتخابات 2014، ثم محاولة جعل أبو الفتوح منافساً صورياً مسرحياً أمامه في انتخابات 2018، على الرغم من سابق اتهامه (وهو إن صحّ لما جاز للجنرال أن يطلب من "شاذ فكري" مزعوم الترشّح لمنافسته) فلما رفض أبو الفتوح الترشّح الصوري، وأعلن أنّ الانتخابات ستزوّر كسابقتها، بل وصف السيسي بالفاشل، بادر الأخير إلى لعبته المفضلة، تغييب خصومه في السجون. وفي 2 من فبراير/ شباط 2020، قبل انتهاء مدة حبس أبو الفتوح احتياطياً بأيام، بادره بتلفيق قضية جديدة (1781 لسنة 2019 حصر أمن دولة)، وفتح مدد حبس جديدة في رتق متجدّد للظلم تحت ستار قانوني مزيف، وبعد عام وخمسة أشهر من الاتهام الجديد، وخوفاً من انتهاء مدة الحبس الاحتياطي في القضية الجديدة، أسرعت نيابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس شرقي العاصمة في الأربعاء 5 من أغسطس/ آب الحالي، إلى إعادة التحقيق معه في القضية الأولى (440 لسنة 2018 حصر أمن دولة)، مع إضافة بهارات وتوابل اتهامات خائبة مثل: "تولي قيادة في جماعة إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الجماعات الإرهابية، وحيازة أسلحة وذخائر، وترويج أفكار جماعة إرهابية، وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة".

حمى الله المناضل، الطبيب، عبد المنعم أبو الفتوح، من محدثي الحكم والنعم، مجرمي البشر، قساة القلوب الذين يقلبون الحقائق، ويقفون في الظلّ موهمين الناس أنّ الشمس ستتأثر في كبد السماء أمام زيفهم وأكاذيبهم، وحمى قلوبنا وعقولنا وأفهامنا من أسقام وأمراض أرواح أقزام يتطاولون في الإجرام، ويحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً.