في كلام أحمد الشرع عن المواطنة
أحمد الشرع في لقائه مواطنين سوريين في محافظة طرطوس (16/2/2025/رئاسة الجمهورية/ إكس))
بحسب ما تسرّب من اجتماعات الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع مواطنين في الساحل السوري قوله، إنه يجب عدم النظر إلى السوريين بوصفهم أبناء طوائف وأعراق، بل بوصفهم مواطنين سوريين، وهذا كلام لا يمكن إلّا التوقّف عنده، نظراً إلى أنه يصدر من أكبر شخصية مسؤولة حالياً، ولأنه يصدر من أحمد الشرع بالقياس إلي تاريخه الجهادي، وتاريخ هيئة تحرير الشام التي كان قائدها قبل حلّها، وبالقياس أيضاً إلى أن ما يرشح من سلوك كثيرين من عناصر الفصائل التابعة للهيئة من سؤال عن طوائف المواطنين على الحواجز، أو وصف النظام السابق بـ"النصيري"، أو إطلاق صفة "نصيري خنزير" على عساكر النظام، الذين يُلقى القبض عليهم، وغير ذلك من سلوكاتٍ تُمارس حالياً في كامل الأرض السورية، التي تصنّف البشر بحسب طوائفهم ومذاهبهم وإثنياتهم، وهي بكلّ حال مرحلة يبدو أنه لا بدّ من المرور فيها مجتمعياً وأمنياً، نظراً إلى تعقيد الحالة السورية، ولفرط العنف الذي مورس على الأكثرية السُنّية السورية خلال سنوات الثورة والحرب اللاحقة.
تكمن أهمية أن يصدر كلام كهذا عن الشرع في أنه يُحدّد بعض ملامح المستقبل السوري، فهو قيل في اجتماعات عامّة بحضور وسائل إعلام متنوعة. ومن ثم، هو كلام مسؤول وليس مُلقى على عواهنه، وعلى الرئيس في المرحلة الانتقالية إتمامه بإصدار أوامر وقوانين تجرّم العنف الطائفي أو الإقصاء الطائفي، المُمارَس من عناصر الدولة، سواء السياسية أو الأمنية. القوانين التي تتضمّن العقوبات وحدها ما يردع الأفراد عن سلوك يُعكّر صفو السلم الأهلي، ويضمن حقوق المواطنين جميعاً بوصفهم مواطنين لا أبناء أقلّيات وأكثرية. هذا طبعاً في حال كانت هناك نيّات حقيقية لبناء دولة عصرية تُعلي من شأن المواطنة التي تكفلها قوانين وتشريعات تعلو فوق الجميع، ولا يعلو عليها أحد.
وفي المقابل، إنكار أن السوريين منقسمون طائفياً وعرقياً وعشائرياً، هو بمثابة ذرّ الرماد في العيون. نحن شعب لم يعرف يوماً الهُويَّة الوطنية السورية، لطالما كانت هذه الهُويَّة لاحقة لهُويَّات أقلّ وأصغر، فنحن عرب وكرد ومسلمون ومسيحيون وسُنّة وعلويون ودروز وإسماعيليون... وإلخ سوريون، ولسنا سوريين أولاً. هذه الهُويَّات كانت قبل نظام "البعث"، والأسد تالياً، كانت منذ الاحتلالات القديمة لبلادنا حاول نظام "البعث" تغطيتها بالفكر القومي، الذي كان غطاءً واسعاً جدّاً على السوريين أضاع عليهم فرصة إيجاد هُويَّتهم السورية، ثمّ جاء نظام الأسد، الذي جرّم الحديث عن الأديان والطوائف، وعزّز المظلوميات العرقية، لكن في الوقت نفسه اشتغل في نظام المحاصصات الطائفية والمذهبية في مفاصل السياسة والإدارة كلّها، بينما كان يروّج نفسه نظاماً علمانياً لا وجود للهُويَّات الطائفية والمذهبية ضمنه. أمّا الحقيقة التي يعرفها السوريين كلّهم، فهي أن إداراته كانت تقوم على المحاصصات إلى حدّ بالغ الفجاجة والوضوح، وهو ما لا يستطيع أحد إنكاره، فضلاً عن المحسوبيّات والقدرة على الدخول في لعبة الفساد الكبيرة.
بالمختصر، كلام الشرع على ضرورة نفي التحدّث عن الطوائف بالغ الأهمية لو ترافق مع حامل قانوني يضمن فعلاً أن تكون الكفاءة المعيار لأيّ تعيين مقبل، خصوصاً أن ثمّة ميلاً شعبياً إلى اجتثاث "البعث" على الطريقة العراقية، مع عدم مراعاة أن غالبية السوريين كانوا مُضطرّين ومُجبرين على الانتساب إلى "البعث" في زمن الأسدَين. وقد يحرم وزن هذا الاجتثاث سورية من كوادر بالغة الأهمية، وأيضاً مع الميل الشعبي إلى إقصاء العلويين بذريعة أنهم قد حصلوا على فرصتهم في الحكم والإدارة. ورغم أنني (وأنا علوية المنبت) أفضّل فعلاً ابتعاد العلويين في الفترة المقبلة عن السياسة تحديداً، لكن أيضاً بين شباب هذه الطائفة وشاباتها كثرٌ من الكوادر بالغة الكفاءة، التي يمكنها أن تساهم فعلاً في بناء دولة حديثة. أتمنى أن يكون لهم مكان في سورية الجديدة في الإدارات المختلفة، مثل باقي أفراد الشعب، بوصفهم مواطنين سوريين، لديهم حقوق متساوية وعليهم واجبات متساوية.