في دلالات اختبار تركيا المنظومة الروسية

في دلالات اختبار تركيا المنظومة الروسية

09 أكتوبر 2020
+ الخط -

خلال عودته من زيارة خليجية العام الماضي، طرح صحافي تركي على الرئيس رجب طيب أردوغان، على متن الطائرة الرئاسية، سؤالاً عمّا إذا كانت أنقرة ستستخدم منظومة إس 400 التي اشترتها من روسيا، في ظل التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على أنقرة، إذا فعلت ذلك. رد أردوغان إن بلاده تنوي بالفعل استخدام هذه المنظومة، وإلا ما الفائدة من شرائها إذا؟ بعد تسلم تركيا عدة دفعات من المنظومة، سارت تساؤلاتٌ كثيرة ما إذا كانت أنقرة تخطط لتأجيل استخدام المنظومة، حفاظاً على علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنّها تعتزم الأسبوع المقبل إجراء أول اختبارٍ على المنظومة، وفق ما ذكره موقع بلومبيرغ الأميركي. 

على الرغم من أن أنقرة أكّدت مراراً أنها ليست في وارد التراجع عن قرار الاستفادة من المنظومة الدفاعية الروسية، إلاّ أنها حرصت، منذ شرائها، على التوازن بين توقيت تفعيلها وتجنّب الارتدادات المحتملة لهذه الخطوة على علاقتها مع الغرب. وبالنظر إلى تزامن هذه الخطوة مع تطورين بارزين: التوتر في شرق المتوسط والنزاع الدائر في جنوب القوقاز، فإنه يُمكن تفسير خطوة الاختبار في ثلاثة اتجاهات: 

الأول: يؤكد اختبار منظومة إس 400 جدية تركيا في المضي باستخدام كل الإمكانات العسكرية المتاحة لها، للحفاظ على مطالبها المشروعة باقتسام عادل للحدود البحرية مع اليونان وقبرص. ومع تراجع حدّة التوتر العسكري في المتوسط، بعد دخول حلف الناتو على الخط لإقناع اليونانيين والأتراك بالتوصل إلى تفاهم عسكري ينزع فتيل أي صدام محتمل بين البلدين. وفي خضم المساعي التي تقودها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى إطلاق مفاوضات سياسية بين أنقرة وأثينا من أجل التوصل إلى حل سياسي لهذه المسألة، فإن الخطوة التركية تُشكل أداة ضغط على اليونان وحلفائها الأوروبيين، من أجل التفاوض بجدّية حول الحدود البحرية، وليس التفاوض من أجل التفاوض. 

أكّدت أنقرة مراراً أنها ليست في وارد التراجع عن قرار الاستفادة من المنظومة الدفاعية الروسية،

الثاني: كان لافتا موقف الولايات المتحدة الأميركية التي تميل بحذر إلى دعم موقف اليونان وقبرص الجنوبية في نزاعهما مع تركيا في شرق المتوسط على حساب علاقتها الإستراتيجية مع تركيا. أنقرة ممتعضة من الخطوات الأميركية. وقد أجرى وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خلال الأسابيع الأخيرة، زيارتين إلى أثينا ونيقوسيا، كما قرّرت واشنطن، على نحو مفاجئ، رفع حظر تصدير الأسلحة إلى قبرص الجنوبية. وبالتالي، يُمكن قراءة اختبار منظومة إس 400 أنه أداة ضغط تركية على واشنطن، لدفعها إلى الوقوف على الحياد في مسألة شرق المتوسط، وعدم الدخول في اصطفافٍ ضد تركيا مع بعض الدول الأوروبية. 

الثالث: في التوقيت، لا يُمكن عزل اختبار منظومة إس 400 عن النزاع المتصاعد في جنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا حول مسألة إقليم كراباخ. هذا النزاع وأبعاده الإقليمية في ظل انخراط أنقرة بشكل مباشر في هذه المسألة إلى جانب حليفتها باكو، وقلق موسكو التي تدعم يريفان من تحوّل مواجهات كراباخ إلى حرب واسعة النطاق، في منطقةٍ تعتبرها حديقة خلفية لها، فإن الخطوة التركية تُفسر أنها محاولة من تركيا لترطيب الخلاف القوقازي مع روسيا. كما أن ذلك لن يُساهم فقط في التخفيف من حدّة هذا الخلاف، بل سيُساهم في تطوير التعاون العسكري التقني بين روسيا وتركيا في أكثر من منطقة، ويرتبط ذلك أيضاً بديناميكيات الصراع في شرق المتوسط. 

تميل الولايات المتحدة بحذر إلى دعم موقف اليونان وقبرص الجنوبية في نزاعهما مع تركيا في شرق المتوسط على حساب علاقتها الإستراتيجية مع تركيا

وفيما يتعلق بتأثير اختبار هذه المنظومة على علاقة تركيا بحلف الناتو التي هي عضو فيه، فإن أنقرة تُحاول تبديد هواجس الحلف بأن المنظومة لن تعمل ضمن منظومته، وستجري كل الدراسات اللازمة كما ينبغي، وبالتالي، لن تهدد هذه المنظومة مصالح الحلف. وفي الواقع، تبدو حاجة تركيا لتفعيل منظومة إس 400 الروسية ملحّة في حساباتها العسكرية أيضاً، وليس فقط أداة ضغط سياسية على الغربيين، أو أداة لإغراء روسيا بتوسيع النطاق العسكري معها وتطويره.