في حيثيات تسمية الشرع رئيساً لسورية

01 فبراير 2025
+ الخط -

ربّما تأخر الإعلان عن تعيين أحمد الشرع رئيساً لسورية الجديدة في المرحلة الانتقالية نحو 50 يوماً، لكنّه جاء بعد توافقات بين قادة الفصائل العسكرية، التي خاضت معاركَ أفضت إلى سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024. وشكلّ تعيين الشرع خطوةً مهمّةً جدّاً بالنظر إلى ما يحمله منصب رئاسة سورية الجديدة من معانٍ ودلالات رمزية وقانونية، ومن أنه يعبّر عن سيادة الدولة والشعب معها، بوصفه المنصب الأرفع في الدولة، القادر على تمثيلهما في المحافل الدولية. وترافق الإعلان بمنحه تفويضاً لتشكيل هيئة تشريعية، تتولّى مهامها في سنّ القوانين والتشريعات، مع حلّ مجلس الشعب، ووقف العمل بدستور 2012، وتشكيل لجنة تتولّى مهمة كتابة إعلان دستوري. إضافة إلى صدور قرارات مهمّة، تهدف إلى تعزيز مسيرة التحوّل الذي حصل، واستكمال عملية الانتقال السياسي.

قد يكون الأمثل لو أن هذه الخطوات كلّها اتّخذها مجلس تأسيسي منتخب، أو مؤتمر حوار وطني جامع، لكن الإدارة الجديدة يبدو أنها أدركت صعوبة عقد مثل هذا المؤتمر، الذي اضطرت إلى تأجيله عدّة مرّات، بالنظر إلى عدم توفّر الشروط الضرورية لعقده، وبات المطلوب التريّث أكثر من أجل الإعداد الجديد له، كي يكون بمثابة مؤتمر تأسيسي، وتمثيلي، جامع لمختلف مكوّنات المجتمع السوري الاجتماعية والسياسية والدينية والإثنية. ولعلّ القرار بحلّ هيئة تحرير الشام، ومعها جميع الفصائل المسلّحة، هي خطوة في غاية الأهمية من أجل بناء جيش مهني وفق أسس وطنية، وتجنيب البلاد سيناريوهات دموية ضربت السلم الأهلي في أكثر من بلد عربي، إضافة إلى تعذّر استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بوجود الحالة الفصائلية العسكرية، التي تتقاذفها رؤى وخلفيات متناثرة ومختلفة. وهنا تكمن أهمية حلّ جميع الفصائل، إضافة إلى حلّ جميع الأجسام الثورية والمدنية والسياسية الخارجة منها، سواء تلك الموجودة في الشمال أم في سواها من المناطق، والتي تمتلك أذرعاً كثيرة، وتطاول مختلف المجالات الإدارية والمدنية والقضائية، التي صاحبتها طيلة السنوات السابقة. ومن المهم أن يُطبَّق الأمر نفسه على الحكومة المؤقّتة للائتلاف، والائتلاف نفسه، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، ومخرجاته المدنية (مجلس سوريا الديمقراطية)، والعسكرية (قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب الكردية التي تهيمن عليها).

منذ اللحظات الأولى لتولّي غرفة عملية ردع العدوان مقاليد السلطة في سورية، كانت هناك أسئلة وتحدّيات كثيرة. ولم تكن التحدّيات كامنةً في كيفية سدّ فراغ السلطة الحاصل بعد انهيار جيش النظام وفرار بشّار الأسد فقط، بل أيضاً في الكيفية القانونية والدستورية لتولّي الإدارة الجديدة المرحلة الانتقالية، فكان طرح عقد المؤتمر الوطني بمثابة المخرج الشرعي المطلوب، لكنّه واجه مشكلة اختيار المندوبين إليه والممثّلين، وخاصّة طرق تعيينهم وكيفية اختيارهم، إذ تعذّر انتخابهم من الشعب في ظلّ غياب القانون الانتخابي المُحدِّد لذلك. وبالتالي، يطاول الأمر أيضاً كيفية الانتقال من مفهوم الإدارة الجديدة إلى الدولة الجديدة، التي تستلزم تعيين رئيس لها، لذلك تحدّث أحمد الشرع عن ملء فراغ السلطة بشكل شرعي وقانوني. ولم يكن متاحاً سوى خيار اللجوء إلى الاحتكام للشرعية الثورية في تعيينه رئيساً لسورية في المرحلة الانتقالية. وعنى ذلك نهاية مرحلة إدارة غرفة عملية ردع العدوان، وانتقال الشرعية الثورية إلى الرئيس أحمد الشرع، الذي فوّضته بتشكيل هيئة تشريعية مؤقّتة، سيكون من بين مهامّها، ليس إصدار القوانين فقط، بل إقرار الموازنة العامّة للدولة، ومنح الثقة لحكومة انتقالية، وصولاً لتشكيل هيئة عليا ومستقلّة تسنّ قانون انتخابات، تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الفترة المُقبلة.

تعيين الشرع أعضاء المجلس التشريعي المؤقّت قد يفضي إلى شخصيات موالية، أو لا تستطيع الاضطلاع بمهامّها أو مناقشة قوانين السلطات التنفيذية

غير أن تفويض الرئيس أحمد الشرع باختيار أعضاء الهيئة التشريعية المؤقتة، يمكن أن تكون له إيجابيات وسلبيات، تتمثل إيجابياته في أن الرئيس لن يحكم منفرداً، عبر إصدار المراسيم أو الأوامر التنفيذية، بل سيكون هناك كيان تشريعي، يفترض أنه سيمتلك صلاحيات معينة وواضحة، وألا يتحوّل مجلسَ تصفيق للرئيس، مثلما كانت عليه حاله إبان فترة النظام البائد. وهنا تكمن سلبيات تعيين الرئيس أعضاء المجلس التشريعي المؤقّت، من خلال اختيار شخصيات موالية بشكل أعمى للرئيس، أو لا تستطيع الاضطلاع بمهام المجلس المتعارف عليها، أو مناقشة القوانين التي تصدرها السلطات التنفيذية.

تكمن حيثيات نجاح الرئيس أحمد الشرع في قيادة مرحلة الانتقال في تلبية مطالب غالبية السوريين الحريصين على بذل ما في وسعهم من أجل إنجاحها، واعتبارها مهمتهم جميعاً. وهي مهمّة لا تقتصر على السلطة الانتقالية فقط، التي يتوجّب عليها إدراك أن نجاحها يعتمد على تلبية مطالب السوريين واحتياجاتهم. ولعلّ خروج جموع غفيرة من السوريين إلى شوارع المدن وساحاتها للاحتفال والتأييد فور الإعلان عن تعيين الشرع رئيساً، وما رافقته من قرارات جديدة، يشي بأن ثقهم بالإدارة وبقيادتها كبيرة، لكنّهم في الوقت نفسه يأملون في أن ينعكس ذلك كلّه على أوضاعهم المعيشية المزرية، وعلى أن مشاركتهم الفاعلة في تحمّل المسؤولية، وتطلّعهم إلى بناء سورية جديدة، تحفظ فيها حرّياتهم السياسية، وخاصّة حرّية التعبير وإبداء الرأي، وصون حقّهم في نقد الخطوات الخاطئة، خاصّة أنهم سمعوا كلاماً مطمئناً من الشرع حول رفضه غرور المنتصر المؤدّي إلى الطغيان، وصون السلم الأهلي، ورفض اللجوء إلى الانتقام والثأر، وفي الوقت نفسه ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية. فضلاً عن تركيزه على "الرحمة والعدل والإحسان عند القدرة"، وأن "السلطة والمال فساد عظيم لولا الأخلاق". والأهم هو أن السلطة الجديدة عليها أن تنظر إلى السوريين، ليس من باب سدّ حوائجهم فقط (على أهميتها)، بل بوصفهم كائنات سياسية، وعليها أن تصون حقوقهم، وأن تعمل على إشراكهم في بناء مستقل بلادهم.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".