في القلق من فوز لوبان برئاسة فرنسا

في القلق من فوز لوبان برئاسة فرنسا

24 ابريل 2022

مارين لوبان تلقي كلمة خلال حملتها الانتخابية في أراس شمال فرنسا (21/4/2022/Getty)

+ الخط -

عادت فرنسا مجدداً، وبعد خمس سنوات من انتخابات 2017، إلى تكرار سيناريو تأهل كلّ من إيمانويل ماكرون وماري لوبان إلى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، التي ترجّح التوقعات واستطلاعات الرأي، بأن يحسم الرئيس ماكرون نتيجة المبارزة بينهما اليوم، 24 إبريل/نيسان، ويُعاد انتخابه للمرة الثانية، بوصفه الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة القائمة منذ 1958.

ونظراً إلى فارق النقاط الضئيل بين ماكرون (27.85) ولوبان (23.15)، فإنّ الجولة الثانية لن تكون سهلة، ويتوقف حسمها بالدرجة الأولى على أصوات الفرنسيين الذين صوّتوا لصالح المرشحين الآخرين الذين لم يتمكنوا من تجاوز الدور الأول، خصوصا رئيس حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون (21.95)، الذي دعا إلى عدم التصويت بأي شكل لمارين لوبان، على عكس رئيس حزب "الاسترداد" إيريك زيمور (7.2%)، الذي ناشد ناخبيه التصويت لصالحها. كما أنّ نتائج الجولة الثانية ستتوقف، إلى حدّ بعيد، على مدى الإقبال على التصويت، بعدما بلغت نسبة الممتنعين عنه 26% في الجولة الأولى، وعلى قدرة كلا المرشحيْن على التحشيد وجذب مزيد من الناخبين الفرنسيين للتصويت لصالحه، في ظلّ ارتفاع تكاليف الأوضاع المعيشية، نتيجة ارتفاع الأسعار، خصوصاً أسعار الوقود، وتراجع القدرة الشرائية لعموم الفرنسيين، سيما الفئات محدودة الدخل والفقيرة.

ويبدو أنّ ماكرون سيستفيد من دعم واسع من الطبقة السياسية الفرنسية للفوز بالرئاسة خلال الدورة الثانية، خصوصاً الذين يريدون قطع الطريق على مرشّحة اليمين المتطرّف من الوصول إلى الحكم، فإلى جانب ميلونشون، دعت مرشّحة حزب الجمهوريين اليميني، فاليري بيكريس، إلى التصويت لماكرون، وكذلك فعل مرشّحو حزب الخضر يانيك جادو، والحزب الشيوعي فابيان روسيل، والحزب الاشتراكي آن هيدالغو. وعلى غرار ما ذهب إليه ميلونشون، دعا مرشّح "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" فيليب بوتو، أنصاره أيضاً إلى عدم التصويت بتاتاً لمرشحة اليمين المتطرّف، زعيمة حزب التجمّع الوطني، مارين لوبان. في المقابل، لم تنل الأخيرة سوى دعم إيريك زيمور، ومرشّح حركة "فرنسا الناهضة" نيكولا ديبون إينيان، المحسوب على اليمين المتطرّف.

ارتفع منسوب القلق في عواصم أوروبية وغربية حيال الانتخابات الفرنسية خوفا من وصول مارين لوبان إلى سدّة الرئاسة

وتحظى الانتخابات الرئاسية الفرنسية باهتمام مختلف أوساط الرأي العام الفرنسي، إلى جانب اهتمام أوساط سياسية أوروبية وأميركية، نظراً إلى تداعيات نتائجها على وضع فرنسا الداخلي، وعلى مجمل علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، إذ تختلف كثيراً وجهات نظر كلا المرشحيْن إزاء الداخل الفرنسي والنظر إلى أوروبا والعالم، خصوصاً السياسة الخارجية لفرنسا، وكيفية التعامل مع روسيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي باتت فرنسا القوة العسكرية الرئيسية فيه بعد خروج بريطانيا، حيث يعني فوز ماكرون استمرار فرنسا على نهجها الأوروبي، بينما في حال فوز لوبان، فإنّ تغيرات كبيرة ستحدُث في وضع فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وبما قد يضعها في مسار تصادمي معه.

وبالفعل، ارتفع منسوب القلق في عواصم أوروبية وغربية حيال الانتخابات الفرنسية، خصوصاً واشنطن، إذ لم تخفِ إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قلقها من أن تتصدّر مارين لوبان، نتائج الانتخابات، ما قد يشكّل انتصاراً للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يستمر في غزوه أوكرانيا، لأنّ مسؤولين أوروبيين يعتبرون أنّ لوبان متعاطفة مع بوتين، الأمر الذي يثير مخاوفهم من أن يوجّه وصولها إلى قصر الإليزيه ضربة موجعة للتحالف الغربي ضد الغزو الروسي، ويقلب دور فرنسا، بوصفها قوة أوروبية رائدة فيه، ويفضي إلى زعزعة الثقة في حلف شمال الأطلسي وبقاء فرنسا فيه، حيث أعلنت لوبان، في أكثر من مناسبة، أنّ فرنسا ستغادر الحلف في حال فوزها بالانتخابات.

الدعم السياسي الذي يحظى به ماكرون لا يعني أنّه سيفوز بسهولة على الرغم من احتمالية ترجّح فوزه

وعلى الرغم من أنّ العالم تبدّل كثيراً خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومعه تغيّرت فرنسا أيضاً، فإنّ التنافس على رئاستها عاد لينحصر بين مشروعين خارجين من صفوف اليمين الفرنسي، الأول ينتمي إلى يمين الوسط، يجسّده مشروع ليبرالي متوحش وشعبوي، ويركز على فرنسا الوطنية، وعلى الوحدة الأوروبية والانفتاح العولمي، بزعامة إيمانويل ماكرون، الذي جاء من خارج المنظومة الحزبية التقليدية الفرنسية وأسّس حزب الجمهورية إلى الأمام. والثاني يميني متطرّف، شعبوي وعنصري، يركّز على القومية الفرنسية والانغلاق والهوس بالآخر ومعاداته، بزعامة مارين لوبان. غير أنّ الدعم السياسي الذي يحظى به ماكرون لا يعني أنه سيفوز بسهولة بولاية رئاسية ثانية، على الرغم من احتمالية ترجّح فوزه، وذلك على الرغم من تردّي صورته في الداخل الفرنسي، على خلفية اتخاذه خطواتٍ لتحرير قوانين العمل الفرنسية، وخفض الضرائب على الأثرياء والشركات الكبيرة. إضافة إلى النظر إليه بوصفه رئيس الأغنياء، وذا توجه ليبرالي متوحّش، وأنّه منقطع عن العالم الحقيقي ومتكبّر وسوى ذلك. فيما حاولت، في المقابل، مارين لوبان، تحسين صورتها وتلميعها أمام الفرنسيين، من خلال إظهار نوع من الاعتدال الشكلي في طرح القضايا الخلافية، ومحاولتها التقرّب من الناخبين، عبر تركيزها الدائم على مسألة القدرة الشرائية للفرنسيين وأوضاعهم المعيشية، من أجل جذب الفرنسيين الغاضبين والمتضرّرين من سياسات ماكرون.

وصول ماري لوبان مجدّداً إلى الجولة الثانية من المنافسة على كرسي الرئاسة الفرنسية، وحصول اليمين المتطرّف على أكثر من ثلث أصوات الناخبين الفرنسيين في الجولة الأولى من الانتخابات، يجسّد ظاهرة، ويثير مخاوف غالبية مكوّنات الشعب الفرنسي وتوجسهم، لأنّه سيترك آثاره الواسعة على الداخل الفرنسي، وبما قد يغير المستقبل السياسي لفرنسا وتوازناتها الاجتماعية، إذ يفيد بأنّ فرنسا باتت تميل تماماً إلى اليمين، بنسختيه، يمين الوسط ممثلاً بماكرون، واليمين المتشدد ممثلاً بكلّ من مارين لوبان وإيريك زيمور ونيكولا دوبون دينيان، وذلك على حساب انهيار كلّ من اليمين التقليدي ممثلاً بحزب الجمهوريين، واليسار التقليدي ممثلاً بالحزبين الاشتراكي والشيوعي، وتداعيهما، وبات اليسار المتشدّد ممثلاً بحزب فرنسا المتمردة بزعامة ميلونشون يقود سفينة اليسار الفرنسي. ومع التوجه الفرنسي نحو اليمين ستنشأ مشكلات وأزمات، سياسية واقتصادية، لذلك يتخوّف فرنسيون كثر من أنّ هذا التوجه اليميني يستبطن ملامح على تراجع الديمقراطية الفرنسية لصالح شعبوياتٍ يمينية، قد تأخذ فرنسا إلى مواقع تفقد فيها أنوارها.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".