في الديمقراطية الكويتية

في الديمقراطية الكويتية

10 يونيو 2022

رئيس وزراء الكويت صباح الخالد الصباح يقترع في الانتخابات البرلمانية (5/12/2020/الأناضول)

+ الخط -

تشكّل النخب السياسية الحاكمة دورا رئيسا وفاعلا في مدى تطور التجربة الديمقراطية أو تراجعها في الدول ذات العهد الجديد بالنظام الديمقراطي، أو في الدول التي بقيت في منطقة رمادية، غير قادرة على ترسيخ الديمقراطية وتطويرها، وغير قادرة على العودة إلى النظام الاستبدادي الكامل.

مناسبة هذا القول ما جرى في الكويت، أخيرا، بعيد الانتخابات البلدية في الـ21 من الشهر الماضي (مايو/ أيار)، التي أفرزت فوز عشرة مرشّحين، لم تكن من بينهم المرشحة الوحيدة التي تقدّمت للاستحقاق ضمن 36 مرشحا. ويتشكل المجلس البلدي في الكويت من 16 عضوا، بينهم عشرة يجرى اختيارهم عبر التصويت الحر والمباشر، فيما البقية تعينهم الحكومة التي عمدت إلى تعيين أربع نساء في منصب رئيس البلدية.

منذ 2003، العام الذي أقرّت فيه الكويت قانونا يمنح المرأة الحق في التصويت والترشّح في انتخابات المجلس البلدي، لم تتمكّن أي كويتية من الوصول إلى المجلس عبر الانتخاب. يشير ذلك إلى عقلية محافظة تحكم المجتمع الكويتي، وترفض أن تتولى المرأة مناصب قيادية في الشأن العام، وهذه أحد مثالب الديمقراطية الكويتية التي لم تتحوّل إلى ثقافة تخترق النسيج الاجتماعي وتعيد قولبته وفق منطوق الفضاء الديمقراطي ـ الليبرالي.

ولكن ما يلفت الانتباه أن الحكومة عمدت إلى إحداث خرقٍ من أعلى، عبر تعيين أربع نساء في رئاسة البلدية، بعيد اقتصارها على تعيين امرأة واحدة في الدورات السابقة، مع ما في ذلك من كسر للتابوهات الاجتماعية ـ السياسية في البلاد، وتمكين المرأة من العمل في مجالات ظلت حكرا على الرجال. ويشكّل قرار الحكومة نقلة مهمة على صعيد مشاركة المرأة في الشأن العام عبر البلديات، لتتطور التجربة لاحقا باتجاه أكثر مشاركة في مناصب أعلى. ومع ذلك، يسلّط ما جرى الضوء أكثر على النواحي السلبية للنظام الديمقراطي الكويتي.

جاءت الديمقراطية الكويتية نتيجة توازنٍ للقوى في مرحلة ما قبل النفط بين الشيوخ والتجار

ثمة ملكية شبه دستورية، فيها ممارسات ديمقراطية، مثل التداول السلمي للسلطة التشريعية والتنفيذية، وفصل نسبي ومحدود بين السلطات، ورقابة تشريعية لا بأس بها على أداء السلطة التنفيذية، وسلطة سحب الثقة من الوزراء، والحقّ في عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ما قد يؤدي إلى أن يعفيه الأمير، أو إعادة تشكيل الحكومة... كل هذه الأمور جعلت من الكويت تحظى بتجربة سياسية استثنائية ميزتها عن بقية دول الخليج العربي، لكن نظامها السياسي ليس ديمقراطيا كاملا ينتج حكومة ذات أغلبية برلمانية قادرة على الإنجاز، ولا هو سلطوي يتمتع بمركزية في صنع القرار. وبين هذا وذاك، تعقدت الحياة السياسية والتشريعية وتشابكت، ونشأت صراعاتٌ انعكست سلبا على عمر الحكومات وعلى الأداء التشريعي. ولذلك لا تعمّر الحكومات في الكويت مدة طويلة نتيجة الصراعات بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة، وبين صلاحيات مجلس الأمة وصلاحيات الأمير.

ظلت قواعد اللعبة الديمقراطية ثابتة من خلال نظام الصوت الواحد، والحكومة التي لا تنبثق عن المجلس، وغياب مؤسّسات المجتمع المدني، وتحديدا الأحزاب السياسية، وقدرة الأمير على حل المجلس، والمحاصصة السياسية وسيلة لكسب تأييد البرلمان. ولأن الحكومات لا تنبثق من مجلس الأمة، أي لا تتشكّل نتيجة الحزب الذي يحصل على أكبر مقاعد برلمانية، تتّجه الحكومة غالبا إلى شراء الولاء السياسي، ما يكرّس ثقافة المحسوبية ويشرعنها، بل ويجعلها حالةً ظاهرة طبيعية في النظام السياسي، وهو ما فاقم من ظاهرة الفساد، وجعل عملية تطوير النظام الديمقراطي صعبة.

تكمن مفارقة التجربة الديمقراطية الكويتية في إرهاصاتها الأولى عندما تشكّلت في ستينيات القرن الماضي، فهي لم تنشأ نتيجة وصول البنى الاجتماعية والسياسية إلى مرحلة من التطور تفرض بالضرورة النظام الديمقراطي، بل جاءت نتيجة توازنٍ للقوى في مرحلة ما قبل النفط بين الشيوخ والتجار، حيث كانوا يتقاسمون الأدوار فيما بينهم، فالنظام السياسي يقوم على التمويل والدعم المالي الذي يأتيه من التجار آنذاك. وفي المقابل، يحافظ الشيوخ على الأمن والاستقرار.

تحتاج الكويت اليوم إلى هزّة سياسية قوية تشكّل قطيعة تاريخية مع المراحل السابقة

للتهديد العراقي في النصف الأول من القرن العشرين دور مهم في عملية التعاضد الوطني الكويتي، وفي الإصرار على الوحدة الداخلية للمجتمع والدولة، وبسبب قوة التجار وضعف السلطة الحاكمة آنذاك من جهة، ورغبة آل الصباح بعدم حصول شرخ للوحدة الوطنية من جهة ثانية، رضيت في التنازل عن بعض صلاحياتها، والسماح للقوى الاقتصادية والاجتماعية المشاركة في الحكم. وتطورت هذه العلاقة من الشراكة في صيغتها التقليدية إلى نظام مؤسّسي في مجلس شورى عام 1921 بالتعيين، ومن ثم مجلس استشاري منتخب عام 1938، وصولا إلى مجلس الأمة بعد اعتماد دستور الكويت الدائم عام 1962.

ظل النظام السياسي الكويتي بعيْد الاستقلال محافظا على أدائه، لكن التجربة لم تشهد تطورا يذكر خلال السنوات الستين الماضية، على الرغم من تطوّر وعي المجتمع الكويتي بأهمية الديمقراطية، ومستوى السلوك الليبرالي ومناخ الحريات المدنية والسياسية، الذي يعتبر مهما مقارنة بالمحيطين، الخليجي والعربي.

تحتاج الكويت اليوم إلى هزّة سياسية قوية تشكّل قطيعة تاريخية مع المراحل السابقة. وعلى الرغم من أن الحديث عن ملكية دستورية كاملة مسألة خارج المفكّر فيه الآن على صعيد الوعي الجمعي الكويتي، لأن الشروط الموضوعية لذلك غير متوفرة، فإن إعادة ترتيب العلاقة بين البرلمان والحكومات، وإعطاء البرلمان صلاحياتٍ أكثر، كفيلان بوضع الديمقراطية الكويتية في مستوى آخر، وكفيلان بإنهاء ظاهرة المحسوبية والفساد وضعف المؤسسات.