في أفول "العدالة والتنمية" المغربي

في أفول "العدالة والتنمية" المغربي

16 سبتمبر 2021
+ الخط -

كانت توقعات أغلب المهتمين بالشأن المغربي تذهب في اتجاه تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية والجهوية، التي جرت في 8 من سبتمبر/ أيلول الجاري، لكن نتائجها كانت صادمة بالنسبة إلى هذا الحزب، نظراً إلى التراجع الكبير في عدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان (13 مقعداً)، بعد أن كان حائزاً على صدارة برلمانية حصل عليها في انتخابات 2016 (125 مقعداً)، الأمر الذي يشكّل هزيمة قاسية لهذا الحزب الذي يُعرّف نفسه بأنه ذو "مرجعية إسلامية"، لتضاف هذه الهزيمة إلى سلسلة الهزائم والنكسات التي عانت منها الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية في البلدان العربية التي وصلت إلى الحكم بعد اندلاع الثورات العربية.

وكانت لافتة خسارة قيادات حزب العدالة والتنمية التي ترشّحت في الانتخابات، بمن فيهم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الوزراء، سعد الدين العثماني، مقاعدهم في دوائرهم الخاصة، إلى جانب خسارة الحزب معظم معاقله الانتخابية في المدن والأرياف المغربية، الأمر الذي يشير إلى أفول نجم هذا الحزب، بالنظر إلى حجم التراجع الكبير في شعبيته وقياداته، وفقدان ثقة الناخب المغربي بهم، نتيجة عجزهم وفشلهم في مواجهة التحدّيات التي واجهتهم على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية والاجتماعية، ووصلت إلى درجةٍ سيجد الحزب نفسه عاجزاً عن تشكيل كتلة نيابية داخل البرلمان المقبل، نظراً إلى أن القانون الداخلي للبرلمان المغربي يشترط حيازة أي حزب 20 مقعداً على الأقل كي يشكلها، وبالتالي سيضطر إلى العمل داخل البرلمان من دون أن يحوز نوابه وسائل التأثير والفاعلية في نقاشات البرلمان الجديد وقراراته.

تغيير تركيبة الحكومات والبرلمان لا يفضي إلى تغيير أحوال المملكة وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية

ويبدو أن هزيمة الحزب الانتخابية جاءت تتويجاً لعوامل عديدة، يخصّ بعضها الحزب وممارساته، وبعضها الآخر يخصّ الحياة السياسية في البلاد، والتي يتحكّم بجميع خيوطها "المخزن" (القصر والسلطة العليا)، لكنها في النهاية تعبّر عن أزمة متعدّدة المستويات طاولت الحزب وقياداته، وبدأت إرهاصاتها تطفو على السطح، خصوصا مع لجوء بعض قادته إلى كيل الاتهامات والطعون وإطلاق تبريرات للفشل، والتي لم تصمد طويلاً لتُفسح المجال أمام ظهور المفاعيل الأولى داخل الحزب، مع إقرار الأمانة العامة للحزب بتحمّل مسؤولية الهزيمة، وتقديم أعضائها استقالاتهم، وفي مقدمتهم أمينه العام سعد الدين العثماني، والدعوة إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني للحزب.

وتظهر الهزيمة الانتخابية للحزب أنه بدا وكأنه لا يمتلك قوة انتخابية حقيقية في يديه، بالنظر إلى تراجع شعبيته في ضوء انتقادات عديدة وجهت لأدائه الحكومي وسياساته في التعامل مع معظم الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وظهر ذلك جلياً من خلال مشاهد طرد الشباب المغربي مرشّحي حزب العدالة والتنمية، ومواجهتهم بانتقادات كثيرة، وأنهم لم يفوا بوعودهم الانتخابية بمحاربة الفساد وسواها، الأمر يشي بأن السنوات العشر التي هيمن فيها على البرلمان، وقاد الحكومة، لم تمكّنه من الحفاظ على قاعدة مناصريه، وأن ممارساته لم تحقق إنجازات اقتصادية وخدمية تصبّ في صالح الشعب المغربي، وخصوصا الفئات المتوسطة والفقيرة، التي علقت آمالها عليه في التخفيف من أثر الأزمات والضغوط المعيشية التي تعصف بالمغرب، وخصوصا ارتفاع معدّلات الفقر، وازدياد تركيز الثروة في أيادي فئة قليلة من المجتمع. وبالتالي، راحت عامة الناس تتحمّل تبعات الأزمات والإخفاقات المعيشية والاقتصادية، ثم جاءت جائحة فيروس كورونا كي تظهر عجز الحزب وإخفاقه في تخفيف الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي سبّبتها لهم.

تظهر الهزيمة الانتخابية للحزب أنه بدا وكأنه لا يمتلك قوة انتخابية حقيقية في يديه، بالنظر إلى تراجع شعبيته

والواقع أن التجربة السياسية المغربية، منذ أكثر من عقدين، بيّنت أن تغيير تركيبة الحكومات والبرلمان لا يفضي إلى تغيير أحوال المملكة وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، لأن القصر الملكي يتحكّم بجميع القرارات الأساسية، إذ على الرغم من أن المغرب يعتمد النظام الملكي الدستوري، إلا أن كلا من الحكومة والبرلمان لا سلطة لديهما يمكنها أن تتجاوز سلطات الملك، حيث إن تركيبة السلطة فيه يتمحور مبناها على مركزية قرار الملك وحده، بوصفه القوة السياسية الفاعلة الوحيدة في المملكة، لأنه يتمتع بسلطاتٍ واسعة، تمكّنه من السيطرة على جميع الأحزاب والقوى السياسية، وتمكّنه كذلك من إضعاف البرلمان والحكومة، وحتى القضاء وغيره، فالملك يتولى إعفاء الوزراء وتعيينهم في جميع الحكومات، كما يتولى النظر في مختلف القرارات التي تخصّ القطاعات الأساسية، مثل الطاقة والصناعة والزراعة والري وسواها، وقام بالدور الأساسي في توجيه قرارات الحكومة الخاصة لمواجهة جائحة فيروس كورونا. والملك هو من أعلن عن مشروع بلغت كلفته 12 مليار دولار لتوفير العناية الطيبة والاجتماعية، وهو من اقترح "مشروع النموذج التنموي" ووافق عليه. وبالتالي، بقيت الحكومات التي شكلها حزب العدالة والتنمية، منذ عام 2012، مقيدة بالنظام الملكي، ولم تتمكن من تجاوزه. والمشكلة أن الحزب يعي ذلك تماماً، ورضي الدخول في اللعبة السياسية، بوصفه أسيراً، بينما الحاكم الفعلي هي "حكومة الظل"، التي يقودها ويوجّهها المخزن، وراحت حكومة العدالة والتنمية تنفذ سياسات تلك الحكومة، وباتت جزءاً من النظام وحاملاً لمشكلاته وإخفاقاته وأخطائه، ورضيت به بوصفه أمراً واقعاً وبراغماتياً، متذرّعة بشتى المبررات والمسوغات التي حولت قياداته إلى مجموعة من الانتهازيين، الذين قبلوا بأن يلعبوا دور الشخصيات التي تقوم بتمرير توجيهات القصر وخططه السياسية والتنموية وتنفيذها.

ولعل قبول "العدالة والتنمية" بدور وظيفي، في أعقاب حراك الشباب المغربي في 20 فبراير/ شباط 2011، أظهر أنه لم يكن في مستوى طموحات الحراك وناسه، وأنه بات جزءاً من عوامل الإحباط والرضوخ أمام الأمر الواقع وتسويغ مفاعيله، فلم تبذُل قياداته جهودا من أجل تدعيم مسار الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، ولم تقدّم برامج اقتصادية يمكنها المساهمة في تحسين أوضاع المغاربة، بل انحازت إلى مطابخ المخزن الذي قام بتوظيفها لكي يمتصّ هزّات الحراك الاحتجاجي إبّان الثورات العربية، من خلال تمكين وصول الحزب إلى الحكم، ووضعه أمام الاختبار الشعبي، وإظهار إخفاقاته، وإدخاله في مطبّ التطبيع مع إسرائيل، وتمرير قانون زراعة الحشيش (أو الكانباس) وسوى ذلك.

والحاصل هو تبخّر طموحات شباب المغرب وناسه في الديمقراطية وتحسين ظروفهم المعيشية، مع فقدان الأمل في الحصول على مزيد من الحقوق المدنية والخيارات الانتخابية الحرّة، ومثلهم مثل المصريين والتوانسة والجزائريين والسوريين وغيرهم، شعروا بالخيبة بعدما سكنتهم المرارة، إذ لم يفلح حراكهم الاحتجاجي في تلبية طموحاتهم في التغيير، والتخلص من النخب الحاكمة، المدنية والعسكرية.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".