فوضى عراقية غير خلاقة

فوضى عراقية غير خلاقة

18 فبراير 2022
+ الخط -

يراوح العراق في المكان نفسه بعد أربعة أشهر من الانتخابات التشريعية، التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وعلى الرغم من الحماسة التي رافقت ذلك الحدث الذي أعقب انتفاضة شعبية كبيرة، فإن النتائج لم تأخذ مداها نحو إعادة تشكيل (وتفعيل) مؤسسات الدولة وهيئاتها التي تسير بقوة الدفع الذاتي. وما حصل يقتصر على انتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب، بينما بقي الاستحقاقان الآخران معطّلين، وينتظر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل الحكومة، توافقات داخلية وأضواء خضراء ومباركات تأتي من الخارج. واللافت أن المساعي التي تكثفت خلال الأسبوعين الأخيرين لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة.

هناك عقدتان أساسيتان في طريق ترجمة نتائج الانتخابات. تتعلق الأولى بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفاً للرئيس الحالي، برهم صالح، أو التجديد له في منصبه لولاية ثانية. والثانية تشكيل الحكومة. ويقف عائقاً أمام حلحلة العقدة الأولى الخلاف الحاد بين أكبر حزبين كرديين في إقليم كردستان، الديموقراطي الذي يتزعمه الرئيس السابق لإقليم كردستان، مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني، ومرشّحه الرئيس الحالي برهم صالح، الذي يطمح إلى ولاية ثانية، ولكن البرزاني قدّم مرشحاً آخر للمنصب، هو هوشيار زيباري، وزير الخارجية الأسبق الذي قطعت الطريق أمامه المحكمة الاتحادية. ولم يقتصر الاستقطاب على خلاف الحزبين الكرديين على أحقية المنصب، بل انسحب إلى بقية الأطراف العراقية. وفيما أيد ترشيح زيباري كل من مقتدى الصدر ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عارضته الأطراف الأخرى. والتأييد والمعارضة في هذه الحالة مرجعهما التحالفات التي تبلورت حول تشكيل الحكومة، والتي يلعب الصدر دور المايسترو في تأليفها، بوصفه صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر (73 نائباً من أصل 329)، ويتحالف معه "تحالف السيادة" الذي يضم 51 نائباً بزعامة الحلبوسي، وكتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي ينتمي إليها زيباري والمؤلفة من 31 نائباً. ويقف في وجه هذا التحالف، المكون من 155 نائباً، تحالف آخر هو "الإطار التنسيقي" الذي يضم تحالف "الفتح" الممثل لقوات "الحشد الشعبي" والمكوّن بغالبيته من فصائل مسلحة موالية لإيران، وحصل على 17 مقعداً في الانتخابات، وتحالف "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (33 مقعداً)، وأحزاباً شيعية أخرى. ويؤكّد "الإطار التنسيقي" أنه صاحب الغالبية في مجلس النواب. ويدور الخلاف بين المعسكرين حول تشكيل الحكومة، ويتمثل موقف الصدر بتشكيل حكومة أغلبية سياسية تضم الكتل الكبرى الثلاث، التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديموقراطي الكردستاني، بينما تضغط إيران وحلفاؤها من أجل تشكيل حكومة ائتلافية تكون فيها حصة أساسية للموالين لإيران، وهنا يكمن التعطيل، الذي تعبّر عنه ضغوطٌ عكستها زيارات قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، للنجف من أجل إقناع الصدر بالتحالف مع المالكي وفصائل "الحشد الشعبي"، وهو ما يرفضه، وهذا ما يعرقل تشكيل الحكومة وتمرير انتخاب رئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من أن المواجهة التي تحتدم منذ ظهور نتائج الانتخابات ذات طابع سياسي صرف، فإن الواضح أن الصراع على السلطة والمناصب هو السمة الأساسية التي تتحكّم بالمشهد العراقي. وباستثناء الكتل الصغيرة المحسوبة على الانتفاضة، لم يبد طرفٌ استعداده للذهاب إلى المعارضة، وهذا يعكس حقيقة التحولات التي عاشها العراق منذ أول انتخابات تشريعية جرت في عام 2005 تحت الاحتلال الأميركي، الذي وضع قواعد لتقاسم السلطة، تقوم على أساس المحاصصة الطائفية، واستفادت منها على نحو خاص الأطراف الموالية لإيران، الأمر الذي سمح لطهران بالتحكّم بمجريات الوضع العراقي وهندسته وفق مصالحها التي أصبحت راسخة في العراق، وهي ذات بنية طائفية، وعلى صلةٍ عميقةٍ بالفساد المستشري ونهب المال العام، وإضعاف الدولة العراقية.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد