فتح وحماس .. ماذا تبقى لكما؟
مع الترحيب المشوب بالشك إلى حد التهكم، بالمصالحة بين حركتي حماس وفتح، فإنهما تتحملان مسؤولية تاريخية في تمزيق الوحدة الوطنية، وهدر دم مناضلين، وإدماء قلوب أمهات وأبناء، وكأن الشعب الفلسطيني لم يكن تنقصه مآسي فقدان وألم.
نرحب، لأن استمرار الانقسام كارثي، لكننا لا نصدّق أنه انتهى، أو أن الحركتين على استعداد لبدء مرحلة جديدة، بناء على برنامجٍ وطني تحرري، بديلاً عن منهج التناحر والتنافس بين سلطتين، لا سلطات لهما إلا على تقاسم النفوذ والمنافع، أو الاستهتار بكرامة الموطن الفلسطيني.
الأخطر أن دواعي "المصالح" سياسية مباشرة، ليست لها علاقة برؤى استراتيجية: فقيادة حركة فتح اصطدمت بحائط التعنت الإسرائيلي، والانحياز الأميركي، وبالتالي، فشل "عملية السلام" الموهوم، أما حركة حماس، فاصطمت بتداعيات إسقاط "الإخوان المسلمين" في مصر، وتراجع صعود الإسلام السياسي في المنطقة.
لا تستطيع السلطة الفلسطينية، والتي تقودها "فتح"، أن تركن، إلى حاجةٍ عربيةٍ، أو غربيةٍ، لاستمرارها، لأن هذه الحاجة منوطةٌ بتنفيذها شروط إسرائيلية، لمنع مقاومة الشعب الفلسطيني الاحتلال، ولم تعد القوى الغربية، خصوصاً، على استعداد لمنحها فرصاً كثيرة، لأنها لا تريد منها سوى توقيع التفريط بحقوق شعب ووطن، وتريده، الآن، وبإلحاح.
أما حركة حماس، فلا تستطيع الركون إلى دعم خارجي، فقد تفكك تحالفها مع سورية، وتتضعضع مع إيران، فيما انتهى حلم اعتمادها على حلم حكم "إخواني".
باختصار، لم يعد لدى الحركتين، سوى العودة إلى جذور الشرعية الحقيقية: شرعية المقاومة والتمثيل المستمدة من إرادة الشعب، وليس موازين القوى العالمية والإقليمية. مع ذلك، نأمل أن تكون فرصة لإعادة المراجعة، والتذكير بأن حسابات الحركتين الضيقة جلبت المصائب على الشعب الفلسطيني، وأضعفت جبهةً داخليةً، ممزقةً جغرافياً، وسياسياً، وأتاحت لإسرائيل تمديد توسعها وبلعها الأرض الفلسطينية، وفقاً لخطة ممنهجة ومفصلة، فيما استكانت إلى الصراع الفئوي، واللهث وراء مفاوضات عبثية، ومحاولة السلطة، بالذات، إثبات "حسن سلوك"، بتقويض أسس الوعي المقاوم عند الشعب الفلسطيني. فقد انشغلت الحركتان بمظاهر السلطة، المادية والسياسية والأمنية، وبالتلذذ بلعبة "العسكر" على الشعب، وكأن الاحتلال الإسرائيلي غير موجود، فيما حركتهما، أفراداً وقيادات، مرهونة بقرار ضابط إسرائيلي، أو عربي تحركه مصالح أنظمة مهادنة للكيان الصهيوني أحياناً، والأدهى أنهما تصرفتا، وكأن لا شهداء ولا أسرى من الحركتين، أو من الشعب الفلسطيني.
شخصياً، تسكنني التضحيات، ولا أستطيع تناسي الشهداء والأسرى من الحركتين، وإلا لدعوت كما فلسطينيين كثيرين، إلى التخلي عن كليهما، وأن تذهبا إلى غير رجعة. لكن، على الحركتين، أولاً، أن تحترما تضحيات المناضلين والمقاومين، وأن تهزهما كل دمعة حزن على كل شهيد وأسير وجريح، وهي أنهار وبحار، وأن لا تتذاكيا على الشعب الفلسطيني، بلعبة "مصالحات" أصبحت مملة، ومسرحيات عناق و"تبويس"، فالوضع لا يحتمل، ولم يكن أبداً ليحتمل، تناسيهما أن الوطن يتقلص تحت الأقدام، فلا تدعوه يتقلص بالأحلام.
أخيراً، على الحركتين أن تتذكرا أن الشعب الفلسطيني لا يقتصر عليهما، فهناك فصائل أخرى والأهم هناك جموع فلسطينية، وهناك جيل جديد، لم ير منكم سوى التسلط والعبث، لا يأبه بتاريخكم، وهذا ذنبكم، فبين "أوسلو" والانقسام، تم تغييب وعي تاريخي، تتحملون مسؤولية رفضهم لكم.
إذا لم تعوا في هذه اللحظة، لم يعد الكثير مما تبقى لكم، ولن تكون دماء شهداء الحركتين شفيعاً لكم، فإما إثبات أن لديكم رؤية نضالية على طريق التحرير، أو فهو، الغضب، على الرغم من القمع والتدجين، سيكون موجهاَ ضدكم.