فبركات شعبية التطبيع

فبركات شعبية التطبيع

16 أكتوبر 2020

من يصدّق هذه الأرقام في اسنطلاع مؤسسة زغبي؟

+ الخط -

أكثر من غيرهم، يعلم القادة الزاحفون نحو التطبيع أنهم يعومون عكس التيار، وأن لا شرعية شعبية لما يقومون به من غرام مائع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. ولأنهم كذلك، تعمد دوائر التزييف المحيطة بهم إلى فبركة الحقائق وتلفيق المعلومات وتزوير البيانات، لعلها تتمكّن بذلك من إيجاد رأي عام بديل، يؤيد التطبيع، بدلا من الرأي العام الشعبي الرافض لكل تقاربٍ مع الاحتلال الغاصب، من دون تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. يملأ الذباب الإلكتروني المجال العام بأزيز وضوضاء لا يصمدان أمام حقائق تكشف عنها استطلاعات رأي وازنة، تسبر أعماق الضمير العربي، متجاوزة ما يطفو على السطح من زبد لا يلبث ويذهب جفاء. 

تحاول أنظمة التطبيع فبركة رأيٍ عام، تستبدل به أصوات شعوبها، وكأنها تبحث بذلك عن شرعية مفقودة لرعونتها السياسية، لا يوازيها إلا بحثها المحموم عن شرعيةٍ مفقودةٍ لحكمٍ لم تستحقه، لا بالإرث والتقليد، ولا بصناديق الاقتراع، ولا حتى بقوة السلاح. 

في جديد فبركات تزييف الوعي العربي، تُجري مؤسسة زغبي الأميركية، أسّسها اللبناني الأميركي جيمس زغبي، استطلاعاً للرأي نشرت تفاصيله "سكاي نيوز عربية"، مقرّها أبوظبي، جاء فيه أن أغلب المواطنين العرب يؤيدون إقامة السلام مع إسرائيل، نظراً إلى دوره في إشاعة الاستقرار. وتزعم المؤسسة أن 58% من المصريين يؤيدون السلام، فيما وصلت النسبة إلى 59% وسط كل من السعوديين والأردنيين، وأيد 56% من الإماراتيين السلام مع إسرائيل. شارك في الاستطلاع 3600 شخص من خمس دول عربية؛ الإمارات والأردن ومصر والسعودية وفلسطين، إضافة إلى حوالي ألف إسرائيلي.

لا يحتاج الأمر إلى فطنة استثنائية لإدراك مغزى نشر بيانات "زغبي"، بالتزامن مع إعلان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نتائج المؤشّر العربي، أضخم استطلاع للرأي يُجرى في العالم العربي سنوياً منذ 2011، وكشفِه أن "المجتمعات العربية ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضية العرب جميعاً، وليس قضية الفلسطينيين وحدهم"، وأن نسبة 88% ترفض الاعتراف بإسرائيل. وعلى خلاف استطلاع زغبي المحدود في العينة والحيز الجغرافي، على فرض أنه أُجريَ فعلاً، وليس فبركة مطبوخة على عَجل، تأتي أهمية نتائج المؤشّر العربي، كونه أكبر مسح للرأي العام في المنطقة العربية، يشمل عينة من 28000 مستجوب، ويغطي 13 بلداً عربياً، ناهيك باعتماده أدوات ومناهج علمية صارمة. 

قد لا يقتنع بعضهم بأن فبركات جوقة أنظمة التطبيع إنما هي تزييفٌ للرأي العام العربي ومحاولة تصنيع رأي عام طاغٍ، بديلاً عن رأي عام شعبي كامن أو مقموع، سيما عندما يتم دحض هذا الخداع بأرقام المؤشّر العربي، لا بأس، باعتبار المؤشّر العربي منحازاً أو غير موضوعي لسبب أو آخر. وماذا عن تقرير لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، نُشر قبل أيام، وفي نتائجه أن لدى 81% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب تعليقات "سلبية" حول ما سُميَ اتفاقات أبراهام للسلام، بين إسرائيل والإمارات والبحرين؟ وذكر موقع "تايمز أوف إسرائيل" أن الاستطلاع الذي أُجريَ ما بين منتصف أغسطس/ آب ومنتصف سبتمبر/ أيلول المنصرمين، كشف أن ما يقرب من نصف التعليقات (45%) المنشورة في العالم العربي اعتبرت الاتفاقية الإسرائيلية الإماراتية "خيانة".

وإذا كان التقرير الحكومي الإسرائيلي غير كاف أيضاً لدحض دعاية التطبيع الواهم، وكشف زيف مزاعمها، مهما تدعّمت بالأرقام، وتزينت بالرسوم البيانية الملونة، إذاً ليطالع حمائم التطبيع ما نشره مساعد الرئيس الأميركي ومنسق البيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج ( 2013 – 2015)، فيليب جوردون، في موقع معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب (INSS) يوم (3 يوليو/ تموز 2017) بعنوان"إسرائيل والدول العربية وأوهام التطبيع". يقول: ".. ومع ذلك، فإن رؤية إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية من دون موافقة الفلسطينيين خيالية. في نهاية المطاف، لا يزال الطريق إلى التطبيع مع الدول العربية يمر عبر القضية الفلسطينية، وليس العكس".

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.