غزّة... تحدّي التجويع الإسرائيلي

30 مايو 2025
+ الخط -

استمع إلى المقال:

"غزّة سجن كبير وحدودها مغلقة ولو كان الأمر بيدنا لسمحنا للجميع بمغادرتها"، هذه العبارة جاءت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أيام، في ردٍّ على الاتهامات الغربية لإسرائيل بتجويع سكّان القطاع. وبغض النظر عما يحمله التصريح من رغبة إسرائيلية معلنة في تهجير سكّان القطاع، يرمي مسؤولية السيطرة على الحدود على عاتق مصر، باعتبارها تسيطر على المنفذ الأساس لقطاع غزة على العالم.
محاولة نتنياهو تبرئة إسرائيل من الوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه سكان قطاع غزّة، لا تتناسب مع التصريحات الكثيرة التي صدرت في الأيام الماضية من عديد من المسؤولين الإسرائيليين، ومنهم نتنياهو، الرافضة دخول المساعدات إلى القطاع بعد تفاقم الجوع. حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفى المجاعة مستنداً إلى آلاف الغزّيين الذين اعتقلتهم إسرائيل و"عرّتهم" ولم تظهر عليهم "آثار المجاعة".
لكن كلام نتنياهو لا يتطابق مع مئات الصور والمقاطع المصوّرة التي تعكس حالة المجاعة التي تفتك بسكان غزّة وبدأت تزهق أرواح عشرات منهم، لتنضم إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة التي تزيد من بشاعة الإبادة الجماعية التي تشنّها قوات الاحتلال على غزّة.
لا شك أن إسرائيل هي المسؤولة الأولى والأخيرة عما آل إليه الحال في قطاع غزّة، لكن أليس بيد أي من الدول المحيطة طريقة للتخفيف من المعاناة التي نشهدها، على الأقل في ما يخص إدخال المساعدات؟ من المفترض أن تكون الإجابة إيجابية، لكن الفعل إلى اليوم سلبي.
في بداية العدوان على قطاع غزّة قبل 600 يوم، عمدت دولٌ كثيرة إلى إرسال مساعداتٍ غذائيةٍ وطبيةٍ وإغاثية إلى قطاع غزّة، وتكدّست الشاحنات في سيناء بالقرب من معبر رفح، في ظل الرفض الإسرائيلي المطلق لدخول أي مساعدات. ومع التعنّت الإسرائيلي، والذي كان محمياً بالتضامن الدولي الكبير مع دولة الاحتلال بعد أحدات 7 أكتوبر (2023)، قامت بعض الدول بعمليات إنزال جوي للمساعدات، للتخفيف من آثار العدوان على سكان القطاع. غير أن هذه الإنزالات لم تكن إلا للتغطية على عجز المجتمع الدولي عن الضغط على إسرائيل لفتح المعابر أمام شاحنات المساعدات.
تغيّر الوضع الدولي، وحالة التضامن مع إسرائيل تآكلت إلى الحدّ الذي أوصل إلى فرض عقوبات غربية على مسؤولين إسرائيليين. حتى إن وسائل الإعلام الغربية بدأت ترفع الصوت في وجه الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، ووصلت إلى حد مقارنة نتنياهو بهتلر والصور الآتية من القطاع بمعسكر أوشفيتز النازي، وهو أمرٌ غير مسبوق منذ تأسيس إسرائيل.
لكن للأسف، إلى اليوم، لم يستغل هذا الانقلاب الغربي على الممارسات الإسرائيلية عربياً، بل استمرّت الدول العربية المعنية بشكل مباشر بالوضع في قطاع غزّة بموقف المتفرج، من دون محاولة الإقدام على تغيير الحد الأدنى من الواقع في قطاع غزّة، ولو عبر إدخال المساعدات الغذائية بغض النظر عن الموافقة الإسرائيلية.
كان مفهوماً إلى حدّ ما الموقف المصري في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة لجهة عدم فتح معبر رفح لإدخال شاحنات المساعدات المكدّسة في شبه جزيرة سيناء، في ظل حالة السعار الذي كانت تعيشه إسرائيل، والتجييش الغربي الواسع خلف أفعالها. لكن هذا الوضع لم يعد مفهوماً اليوم، مع تصاعد الأصوات التي تطالب بدخول الغذاء إلى قطاع غزّة، وتنتقد إسرائيل لمنع ذلك.
الآن، ومع رمي نتنياهو الكرة في ملعب مصر لجهة فتح الباب لخروج سكان القطاع، ربما على القاهرة الرد بشكلٍ معاكسٍ عبر فتح المعبر أمام مئات الشاحنات للدخول إلى قطاع غزّة، وهو ما لن تستطيع إسرائيل معه شيئاً في حال قامت به مصر، خصوصاً إذا ما رفع العلم المصري إلى جانب أعلام الدول التي قدمت هذه المساعدات، ومنها الكثير من الدول الغربية، الأمر الذي سيشكّل عدواناً مباشراً على مصر وهذه الدول، وهو ما لا تتحمّله إسرائيل حالياً.
لم يفت الأوان بعد لمثل هذه الخطوة وتحدّي التجويع الإسرائيلي، والتي ستحظى بكثير من الدعم العربي والغربي.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".