غزة والتجربة العراقية
التجربة العراقية أحدث الابتكارات التي خرجت بها الإدارة الأميركية للتعاطي مع قطاع غزّة. لم يصدر الأمر رسمياً بعد، غير أنه بات الأكثر ترجيحاً مع الإعلانات المتوالية لترقّب ما سيقوله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة، والذي تأكد أنه سيكون متعلقاً بقطاع غزة.
ملخّص المقترح، بحسب ما كشفت مصادر أميركية، يقوم على تشكيل إدارة مؤقتة بقيادة أميركية لقطاع غزة بعد انتهاء الحرب الجارية، تهدف إلى نزع السلاح وتحقيق الاستقرار في القطاع، إلى حين تأسيس إدارة فلسطينية مستقرة وقادرة على الحكم. ومن المفترض، بحسب المقترح، أن تستعين الإدارة المؤقتة بتكنوقراط فلسطينيين، لكنها ستستبعد حركة حماس والسلطة الفلسطينية من الهيئة.
مثل هذه الفكرة غير بعيدة عن الذهنية الأميركية في ظل حكم دونالد ترامب، خصوصاً قبل جولته المرتقبة في المنطقة العربية. فالرئيس الأميركي يتوقع أن مثل هذا المقترح سيكون هدية يحملها معه إلى الدول التي يزورها، بغضّ النظر عن واقعية تطبيقها. تماماً كالأفكار الكثيرة التي طرحها قبل وصوله إلى البيت الأبيض، ومنها مشروع "ريفييرا غزّة"، والذي من الممكن أن يكون المقترح الجديد جزءاً منه.
لم يوضح "الدبلوماسيون" الذين سربوا الفكرة إلى وكالات الأنباء الجهة التي ستكون مسؤولة عن إدارة القطاع عسكرياً، لكن من الممكن تخيّل هذه الجهة، والتي بالتأكيد لن تكون الولايات المتحدة كما كان عليه الحال في العراق بعد الغزو وتعيين بول بريمر مسؤولاً عن المجلس الانتقالي العراقي، والذي أدار الوضع شكلياً في ظل احتلال أميركي كامل بعد حلّ الجيش العراقي.
ومن الواضح أن نقل هذه التجربة سيكون في ظل احتلال إسرائيلي كامل لقطاع غزّة، وهو ما بدأت تل أبيب بالإعداد له عبر استدعاء آلاف من جنود الاحتياط لـ"توسيع العملية البرية في قطاع غزّة"، والتي كشف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن أهدافها المتماشية إلى حد كبير مع الفكرة الأميركية.
فبعدما أقرّ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابينت) الأسبوع الحالي خطّة لإعادة احتلال غزّة تحمل اسم "عربات جدعون"، خرج سموتريتش في "مؤتمر الاستيطان" ليُفصح أن المشروع قائم على تدمير قطاع غزة بـ"الكامل" وإنهاء حركة حماس، وحصر سكان القطاع "جنوب محور موراغ ليبدأوا بالخروج بأعداد كبيرة إلى دولة ثالثة". وأكّد أن هذا ما صادقت عليه الحكومة.
على هذا الأساس، يمكن النظر إلى التكامل الصريح بين الخطة الإسرائيلية والمقترح الأميركي المرتقب، خصوصاً أن النقاش الأساسي، الذي كان يدور في المفاوضات على وقف الحرب، مرتبط بالجهة التي ستدير قطاع غزة في "اليوم التالي". ويبدو أنه باعتقاد إدارة ترامب أن الإعلان الوشيك الذي سيخرج به الرئيس الأميركي سيقدّم إجابة حاسمة لهذا النقاش، وهو المتوقع أن يحمله معه ويروّجه في جولته العربية.
بغض النظر عن واقعية الفكرة، وما إذا كانت ستحظى بتأييد عربي وفلسطيني، هل يرى الأميركيون أن "التجربة العراقية" كانت ناجحة حتى يُفكر في تعميمها وتكرارها في قطاع غزّة. إلا إذا كان القصد نقل الفشل العراقي إلى الأراضي الفلسطينية وتعزيز الانقسام الداخلي، فالخطّة لا تكتفي باستثناء "حماس" من الحكومة الانتقالية، بل تضيف إليها السلطة الفلسطينية، والمفترض أنها الممثل الشرعي المعترف به دولياً، وتخطّط لتأسيس "إدارة فلسطينية جديدة" في غزّة، ما يعني زيادة التناحر الداخلي وإيجاد مكوّن فلسطيني جديد في وجه الأطراف الموجودة.
وبانتظار إعلان ترامب واكتشاف حقيقة الفكرة التي سيطرحها، يبقى الواقع الوحيد أن مشروع احتلال غزّة وتهجير أهلها لا يزال قائماً، سواء تكامل مع الفكرة الأميركية أو لا.