غبقة من أجل فلسطين

غبقة من أجل فلسطين

21 ابريل 2022
+ الخط -

بعد أن نشرتُ صور "الغبقة المقدسية" التي أقامتها الجالية الفلسطينية في الكويت، كعادتها السنوية خلال شهر رمضان المبارك، في حساباتي المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وردتني عدّة أسئلة عن جدوى مثل هذه الأنشطة الاجتماعية والثقافية والترفيهية لمساندة القضية الفلسطينية.

والغبقة، لمن لا يعرف اللهجة الكويتية، وليمة تقيمها الأسر الكويتية عادة في شهر رمضان ما بين الفطور والسحور، وأصبحت في العقود الأخيرة مناسبة اجتماعية يُدعى إليها المقرّبون من الأسرة التي تقيمها وتتخللها بعض الفعاليات اللطيفة. ولأن الجالية الفلسطينية في الكويت عريقة جدا، ومعظم أفرادها يقيمون في الكويت منذ عقود طويلة، فهم يقيمون مثل هذه الغبقات الرمضانية، وتكون مختلطة من الجانبين، الفلسطيني والكويتي، وبعض الجنسيات العربية والإسلامية الأخرى. وقد أبدع الفلسطينيون في استثمارها للتعريف بمستجدّات القضية وبمفردات التراث والفنون الشعبية الفلسطينية.

اعتدتُ على حضور الغبقة التي تقيمها كل رمضان بعض الجهات والهيئات الفلسطينية في الكويت، مثل فريق "القدس أمانتي"، وفريق "العودة"، والاتحاد الوطني لطلبة فلسطين والمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج ورابطة شباب لأجل القدس، وأحيانا تنضم جهات وهيئات كويتية مهتمة بالقضية الفلسطينية بشكل فاعل وعملي.

في الغبقة التي حضرتها قبل أيام كانت إجابة الأسئلة التي أمطرني بها المتابعون على ما نشرته من صور حاضرة مقدّما، فقد أقيمت الفعالية بالتزامن، غير المقصود، مع أحداث المسجد الأقصى، ودائما هناك أحداث مهمة في الأقصى وفي القدس، بل في فلسطين كلها، وبالتالي من غير المنطقي، ولا المفيد، إيقاف الفعاليات الفلسطينية الاجتماعية والثقافية والفنية في الخارج، في حال وجود أحداث مهمة وخطيرة في الداخل، بل العكس هو الصحيح والمنطقي، خصوصا أن هذه المناسبات والفعاليات تستغلّ للتعريف بالقضية وتجديد الإيمان بها في أرواح الأجيال الجديدة. بالإضافة إلى إلقاء الأضواء على التراث الفلسطيني، الثري بكل تنويعاته واختلافاته، وفقا للتقسيم الجغرافي والمناطقي في الكويت، وهذا مهمٌّ جدا بالنسبة للشباب الفلسطيني الذي ولد ونشأ خارج فلسطين.

في تلك الغبقة الجميلة، كانت الأزياء الفلسطينية الرجالية والنسائية حاضرة، وكنا جميعا تقريبا قد حرصنا على ارتداء شيء من تلك الأزياء التي أصبح السؤال عنها وعن تفصيلاتها وأنواع النقوشات والتطريز فيها جزءا من الفعاليات غير المقصودة في الغبقة. أما التراث الشعري والغنائي فقد أبدع فيهما الحاضرون، حيث كانت أغنيات فلسطينية تراثية فلكلورية تصدح في كل مكان بلهجات مدن فلسطين وقراها الكثيرة. بل لم تخلُ أنواع الأطعمة والأشربة التي قدّمت على موائد الاستقبال من رائحة فلسطين ونكهتها، وهذا ما يجعل من تلك الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية والتراثية مهمة جدا، في رمضان وغير رمضان. ولا ينبغي أن ينظر لها أحد باعتبارها ترفا لا يناسب الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في الأقصى وأكنافه.

وإذا كانت المقاومة بالسلاح الفعلي على الأرض الفلسطينية مهمة جدا، فالمقاومة بالصمود داخل فلسطين وخارجها لا تقلّ عنها أهمية، فهذا الصمود يعزّز قيم القضية في نفوس الجميع. وبالتالي، علينا جميعا، نحن المؤمنين بهذه القضية، أن نعمل دائما على ابتكار أنواع وأشكال مختلفة للصمود، في ظل تخاذل تحول في السنوات الأخيرة الى نوع من قبول التطبيع مع الكيان الصهيوني ولو عبر الصمت .. لا ينبغي أن نصمت، علينا أن نواصل الحديث والغناء والكتابة وممارسة الفنون المختلفة وإقامة الفعاليات والأنشطة دائما في سياق هذه القضية ومن أجلها.

وكم سعدتُ عندما اختتمت الغبقة بفقرة تكريم كويتيين كان لهم دور فاعل في مقاومة التطبيع بأشكال كثيرة. وعلى الرغم من أن جميع المكرّمين أجمعوا على أن ما قاموا به لا يستحقّ التكريم، لأنه واجب حقيقي على كل مؤمن بفلسطين، إلا أن الرمزية كانت جميلة ومهمة جدا. كل عام وفلسطين تقاوم داخل فلسطين وخارجها.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.