عون وحكومة الحد الأدنى من "التوازن الوطني"

عون وحكومة الحد الأدنى من "التوازن الوطني"

25 مارس 2021
+ الخط -

بعد انقضاء 18 لقاءً بين الرئيس اللبناني ميشال عون، والرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ما زال سوق البازار السياسي بين الطرفين، في ما يتعلّق بموضوع تشكيل الحكومة، يشهد سجالات سياسية حادّة، خرج كثير منها عن الأعراف الدبلوماسية، مع اتساع الهوة التي تفصل بينهما والاتهامات المتبادلة بالتعطيل والشروط والشروط المضادة، وتشبث كل من طرفي الخلاف بوجهة نظره، في وقت يمضي لبنان إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي الذي يعدّ نتيجة الانهيار السياسي والمؤسساتي في الدولة.

أهم الطروحات المتداولة في هذا البازار تدور، في إطارها العام، ضمن طرحين: الأول، وينادي به سعد الحريري، ويسعى إلى تطبيقه بناءً على المبادرة الفرنسية التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت، واستقالة حكومة حسان دياب في أغسطس/ آب الماضي، ويقوم على تشكيل "حكومة مهمة" أو "حكومة تكنوقراط" تضم اختصاصيين مستقلين غير حزبيين، ولا ثلث ضامن فيها لأي طرف، ينحصر دورها بحماية لبنان من مزيد من الانزلاق أو الانهيار، والبدء بالإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة الاقتصاد والقطاع المصرفي. فيما يقوم الطرح الثاني الذي ينادي به الرئيس ميشال عون، ومن خلفه التيار الوطني الحر وحزب الله، على تشكيل "حكومة محاصصة" أو "حكومة تكنو- سياسية"، تضم اختصاصيين إلى جانب حزبيين، بحجة الحفاظ على "الميثاقية" والحد الأدنى من "التوازن الوطني"، حسب تصريحات أصحاب هذا الطرح، والذين يتقدمهم الرئيس عون، الذي يتلطّى خلف هذه المصطلحات لعرقلة ولادة الحكومة اللبنانية، بعد مضي أكثر من مائة يوم على طرح الرئيس المكلف أسماءها.

سجالات سياسية حادّة، خرج كثير منها عن الأعراف الدبلوماسية

 

كلام الرئيس عون عن "الميثاقية" و"التوازن الوطني" هو كلام حق يراد به باطل، فالحديث عن تفرّد الحريري بتسمية الوزراء، وخصوصاً المسيحيين من دون الاتفاق مع الرئيس ميشال عون المؤتمن على الدستور والميثاق، حسب تصريحات الفريق الرئاسي، لا يمكن قبوله في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان، خصوصاً أنّه حديث يحصر المشكلة والخلاف على حجم الوزارة وشكلها وتوزيع حقائبها وصلاحيات الرئيسين. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يُشكّل السبب الظاهر للخلاف، إلا أنه لا يعكس الخلاف الأساسي بشأن برنامج عمل هذه الحكومة في حال تأليفها، وأولوياتها السياسية، وصلاحياتها في ما يتعلّق بتنفيذ الإصلاحات وإعادة هيكلة الاقتصاد والقطاع المصرفي، حسب شروط المجتمع الدولي للمساهمة في إنقاذ لبنان.

لو نظرنا إلى هذا الخلاف من زاوية عمل الحكومة وبرنامجها وأولوياتها السياسية لاتضحت الصورة جلية، خصوصاً أن المصالح الفئوية والحزبية تعتبر المحرّك الأساسي لهذا الخلاف. وهنا يمكن الحديث بشكلٍ أساسي عن الثلث المعطل الذي يطالب عون ومن خلفه التيار الوطني الحر برئاسة صهره جبران باسيل به في حكومة الحريري، لأسباب عديدة، منها تفريغ السلطة التنفيذية من مضمونها التنفيذي، وضمان مشاركة التيار الوطني الحر بشكلٍ فاعلٍ في كبح سلطات الرئيس الحريري عند الضرورة، وضمان عدم تمرير أي قرار لا يتوافق مع مصالحهم الحزبية والشخصية. لذا لا مشكلة عندهم في رفع شعار "ثلث معطّل أو فراغ" بحجة "الميثاقية" و"التوازن الوطني" في تكرار لشعار "عون أو الفراغ"، عندما كان عون مرشّحاً لحزب الله إلى رئاسة الجمهورية التي شغرت أكثر من سنتين ونصف السنة بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، عام 2014.

كلام الرئيس اللبناني عن "الميثاقية" و"التوازن الوطني" حق يراد به باطل

ومن هنا، تتجسّد عقبات تشكيل الحكومة اللبنانية بسعي التيار الوطني الحر إلى الحصول على عدد وزارات يتيح له ولحلفائه الثلث المعطّل في الحكومة، إلى جانب الوزارات الأمنية (الداخلية والعدل). لذا كان الرفض، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لمسودة الحكومة التي وضعها الحريري من 18 وزيراً، كونها لا تلبّي الحد الأدنى من "التوازن الوطني" و"الميثاقية"، وفقاً لكلام عون في إطلالته التلفزيونية التي وجّه فيها رسالة إلى اللبنانيين، مقابل الإصرار على تركيبة حكومية على أساس توزيع طائفي من 20 وزيراً يسمّي منها الرئيس عون والتيار الوطني الحر ستة وزراء مسيحيين، باعتبارهم من يمثّلون المسيحيين، في غياب حزبي الكتائب والقوات اللبنانية عن الحكومة، إلى جانب الوزير الأرمني المحسوب على حليفه في حزب الطاشناق، والوزير الدرزي المحسوب لحليفه الآخر النائب طلال أرسلان، الأمر الذي يعني ضمان ثمانية وزراء من أصل 20 وزيراً، وبالتالي الحصول على الثلث المعطل في التركيبة الحكومية.

وينسجم هذا الطرح مع طرح حزب الله الذي يتلطّى أيضاً خلف عون لتمديد الأزمة الحكومية إلى أبعد مدى، وهذا ما يمكن قراءته في خطاب أمين عام الحزب حسن نصر الله، الذي أكّد فيه رفضه فكرة "حكومة التكنوقراط" التي كانت قد اقترحتها المبادرة الفرنسية، ودعوته إلى تشكيل "حكومة تكنو- سياسية"، تضم سياسيين إلى جانب اختصاصيين، أو تفعيل دور "حكومة تصريف الأعمال" المستقيلة برئاسة حسان دياب، إذا عجز الحريري أو رفض تشكيل الحكومة التكنو- سياسية التي يريدها حزب الله والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، الأمر الذي يجعل لبنان عالقاً بين "حكومة تصريف أعمال" غير قادرة على اتخاذ قرارات حيوية، و"حكومة مفترضة" قد لا ترى النور بحجج "الميثاقية" و"التوازن الوطني" و"الدستورية" و"الشراكة الكاملة" في تشكيل الحكومة، وغيرها من مصطلحات تخفي وراءها مصالح حزبية وفئوية ضيقة، تجعل من لبنان ورقة بيد إيران، تستخدمها في لعبة التجاذبات الإقليمية، على حساب لبنان وشعبه الذي لم يعد يحتمل مزيدا من هذه الممارسات التي تبقي البلد في وضع هش ومشلول سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتبقي المؤسسات رهينة للولاءات الإقليمية والمحاصصات الطائفية والحزبية.