عن منتدى الدوحة واستكشاف الحلول

عن منتدى الدوحة واستكشاف الحلول

31 مارس 2022

من جلسات منتدى الدوحة في 27/3/2022 (العربي الجديد)

+ الخط -

اختتمت أعمال منتدى الدوحة بنسخته العشرين بحضور ألفي مشارك من ضمنهم مائتا متحدّث من 142 جنسية و104 دول، شاركوا في أكثر من 50 جلسة خلال الفعالية، وكان عنوان هذه الدورة، التحول إلى حقبة جديدة، مع التأكيد على أنّ القطبية الأميركية - الغربية المهيمنة على العالم منذ نهاية الحرب الباردة لم تعد قائمة تماماً، وعلى أنّ العالم متجهٌ كقطارٍ سريع نحو أقطاب متعدّدة، وهو ما قد يفجّر مستقبلاً صراعات جيوسياسية بشأن السيطرة على الموارد الطبيعية من جهة، والتموضع الاستراتيجي لأهم الممرات والمضائق العالمية من جهة ثانية، ما يرجّح فرضية المؤرّخ الأغريقي ثوسيديد "أنّه مع وجود قوة مهيمنة، فإنّ نشوء قوة صاعدة سيؤدّي، لا محالة، إلى تصادم بين القوتين".

وبدت نقطة التحول الرئيسة في المنتدى في دورته أخيراً استشرافه المآلات المستقبلية للعالم والمتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها، ورسم معالم انتقال نحو حقبةٍ جديدة، بعد جائحة كورونا وتزايد القلق الدولي من حدوث جوائح أخرى، صحية وسياسية وإنسانية، في أنحاء كثيرة من العام، كما استحوذت الأزمة الأوكرانية على جميع الجلسات تحليلاً ومتابعة، نظراً إلى تداعياتها وتأثيراتها على اقتصادات العالم، وعلى القلق العربي من فقدانه أهم مصادره من الغذاء، إذ يعتمد على القمحين، الروسي والأوكراني، لشعوبه، وهو ما يدفع مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إلى القول إنّ الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ضروري، وإنّ ما يجري حالياً من قلق عالمي بشأن إمكانية حدوث أزمات جوع في أفريقيا هو نتيجة نقصٍ متوقع لإمدادات الأغذية عالمياً مع تخزين الدول المصدرة لها تحسباً لنقصٍ حادّ فيها، بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، وهي أزمة أمنية تضفي بعداً قاتماً جديداً للنظام الاقتصادي العالمي المترهل، إثر جائحة كورونا التي كلفت عالمياً زهاء 30.8 تريليون دولار ومليارات أخرى لتوفير اللقاح الذي لم يوزع أساساً على نحو عادل، خصوصاً في الدول الأكثر فقراً والأشد احتياجاً للقاحات.

لافتٌ أنّ استراتيجية الدوحة في التموضع عالمياً لناحية بناء التحالفات وتشبيك دبلوماسيتها الناعمة مع القوى المهيمنة تعكس تطلعاً قطريا جديداً لتسويق بضائعها ومنتجاتها من المحروقات عالمياً وتحديداً في أوروبا، كما أنّ تطور علاقاتها مع واشنطن أصبح أقوى مما كان عليه سابقاً، بوصفها حليفاً قوياً من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتعليقاً على هذا التحوّل في صعيد العلاقات بين واشنطن والدوحة، يقول وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، إنّ دور قطر أصبح مهماً باعتبارها ثاني أكبر مصدر للطاقة، مضيفاً: "نحن من منطقة نفهم فيها أهمية التحالفات، كونها جزءاً من تحالفات أكبر، بسبب أشياء كثيرة. لدينا مسؤولية ليس فقط تجاه شعبنا، لكن تجاه العالم بأسره" وهي المسؤولية التي يشعر الجانب القطري بتعاظم قلقها، من أن يتحوّل العالم إلى كومة من النار من خلال عسكرة الحلول والابتعاد عن مسارات ومساقات إيجاد حلول أكثر عقلانيةً من فوهات الرصاص وأزير المدافع.

أبرزت كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في افتتاح منتدى الدوحة، أنّ ثمّة قلقاً من أن تسحب الحسابات الجيوسياسية والصراعات بين ديناصورات العالم إلى مرحلةٍ من فقدان التوازن

أبرزت كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في افتتاح منتدى الدوحة، أنّ ثمّة قلقاً من أن تسحب الحسابات الجيوسياسية والصراعات بين ديناصورات العالم إلى مرحلةٍ من فقدان التوازن، نظراً إلى الحرب الروسية في أوكرانيا التي دخلت شهرها الثاني، من دون أن تلوح في الأفق بوادر لوقف هذا النزاع الذي ترافقه جملةٌ من المعطيات المقلقة بشأن مستقبل العلاقة بين روسيا الصاعدة دولياً والغرب الذي انطفأت شعلة توهّجه منذ العقود الأخيرة، لأسباب داخلية، وإنْ كان "بريكست" البريطاني أطلق رصاصة الرحمة على قوى الاتحاد الأوروبي، وأضعف أيضاً مدى تماسكه من الداخل، شعوراً بأنّ هذه المظلة الأوروبية بدت مهترئةً وأكثر اهتزازاً، ولا تستطيع مقاومة الرياح والمتغيرات الدولية، وهو ما كشفته الحرب الروسية على أوكرانيا؛ فالقلق الأوروبي من نفاد المخزون الغذائي من جهة، وتجنّب دخول صراع عسكري مع روسيا من جهة ثانية، وعدم التوافق على استراتيجية واحدة لمواجهة روسيا، تكشف مدى تيه الرجل الأوروبي، والذي يبدو على مفترق طرقٍ من الصراعات، إذا أخذ التدخل العسكري الروسي منحىً تصعيدياً آخر، وحقّق الرئيس بوتين انتصاراً عسكرياً في كييف، ما سيُضعف خاصرة أوروبا الشرقية، ويضعها تحت تهديد روسيا، ليقلب الطاولة رأساً على عقب، في حربٍ لن تخرج منها روسيا نفسها من دون جروحٍ اقتصاديةٍ وشرخين، سياسي واجتماعي، عميقين.

تتعلق الأسئلة التي أثيرت بشانها النقاشات بما إذا كان ممكناً الانتقال إلى حقبة جديدة في ظل التحديات التي يواجهها العالم، خصوصاً القارة السمراء التي لا تزال تئنّ من صراعاتٍ أمنيةٍ وسياسية، وهل يمكن أن يتعافى العالم من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، وإلى أيّ مدى قد يتأثر العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، خصوصاً الدول العربية. نوقشت هذه التساؤلات، لكنّ إيجاد حلول ناجعة لم يرد على الأذهان، وحدها التكهنات التي تضيق مساحاتها أيضاً ويشعل فتيلها الصراع على النفوذ بين القوى الصاعدة والمهيمنة، لتدوس على تركة الفقراء وإرثهم في أفريقيا والدول الضعيفة، التي تزخر بموارد طبيعية برّاً وبحراً، لكنها لا تزال بِكراً لم تُستغل بعد.

منتدى الدوحة منصة عالمية تناقش قضايا ذات أبعاد مختلفة، لطرح أفكار ورؤى جديدة لبلورة حلول سلمية جديدة

تبدو القضايا المتعلقة بالتطورات السياسية والأحداث الأمنية في منطقة القرن الأفريقي شبه غائبة في المنتدى هذا العام، وهي المنطقة التي تحظى بموقع استراتيجي هام، وتعد الحديقة الخلفية للخليج العربي، وتقع في قلب اهتمامات دولة قطر منذ عقود، إذا لم يهتمّ الباحثون بشكل أعمق في ظاهرة التسرب تدريجياً إلى أتون حرب أهلية بين دولها، خصوصاً في الصومال وإثيوبيا والسودان، فقد كشفت تقارير استخبارات أميركية مطلع العام الجاري (2022) أنّ الدول الثلاث مقبلة على تحوّلات جديدة في غضون أعوام قليلة، وأخطر سيناريو تواجهه إمكانية الانزلاق إلى حربٍ أهلية، ففي الصومال لا يزال المشهد الانتخابي غير المكتمل يهدّد التحول الديمقراطي؛ إذ لم يحدَّد بعد سقف زمني لإجراء الانتخابات الرئاسية. والحرب في إثيوبيا لم تجد بعد حلاً دائماً سوى هدن تُعلن تارّة وتخرقها أصوات الرصاص تارّة أخرى. أما في السودان، فالحكومة الانتقالية لا تزال غير مهيأة لتقود البلاد نحو انتخابات نيابية عام 2023. وهذه الأسباب مجتمعةً قد تدفع هذه الدول إلى اضطرابات سياسية وأمنية جديدة، ما لم تكن هناك رغبة داخلية جادّة لثنيها عن الصراعات مجدّداً، وإبعاد شبح الحرب عن عواصم أهم دول القرن الأفريقي.

في النهاية، يبقى منتدى الدوحة منصة عالمية تناقش قضايا ذات أبعاد مختلفة، لطرح أفكار ورؤى جديدة لبلورة حلول سلمية جديدة للإسهام في دبلوماسية المفاوضات لإسكات البنادق ونزع فتيل التوترات، إلى جانب ابتكار حلول بيئية أخرى أكثر نجاعة في تخفيف حدّة المآسي والتداعيات الإنسانية التي تخلفها الفيضانات والجفاف، ورفع قيمة التعليم بين الأجيال عبر أذرع قطرية تسهر في توفير التعليم للشعوب التي لم يجد أطفالها فرصاً متكافئة في الحصول على حق التعليم، خصوصاً في أفريقيا وجنوب آسيا، وسط عالم مضطرب يكاد يفقد توازنه، ويتدحرج نحو صراعاتٍ عسكرية بين الديناصورات تدفع ثمنها مجتمعات مقهورة منذ زمن.

3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
الشافعي أبتدون

كاتب وإعلامي وباحث صومالي

الشافعي أبتدون