عن معارك شمال شرق سورية

26 يناير 2025

مقاتلان من الجيش الوطني السوري قرب سد تشرين في محيط منبج شرقي حلب (11/1/2025 فرانس برس)

+ الخط -

بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة تأسّست قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بتحالف محلي من الخليط السكاني خلف نهر الفرات من الناحية الشرقية، وضمّ مجموعات مسلّحة عربية مناهضة لحكم بشّار الأسد، بالإضافة إلى مكوّنات آشورية وسريانية وأرمينية، ولكن العمود الرئيس فيها قوات كردية كانت ناشطة تحت اسم وحدات حماية الشعب، نالت شهرةً بعد معارك خاضتها في عين العرب (كوباني) ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد كانت هذه القوات عند الولايات المتحدة والتحالف الدولي صِمَام أمان في وجه "داعش"، ونالت الدعمين، العسكري والمادي، تحت هذا الشعار، وتعزّز وجودُها ببقاء ألف عنصر أميركي متمركز على الأرض دعماً لها، وقد شكلت هذه القوات مصدر إزعاج شديد لتركيا، نظراً إلى هيمنة الكرد ودخول مجموعات من حزب العمّال الكردستاني ضمن صفوف هذه القوات والتحكّم فيها، الأمر الذي قاد تركيا إلى إعلان نيتها بشن هجمات وقائية في سورية تعزّز بها حدودها ضد حزب العمّال.

بانحسار تنظيم الدولة الإسلامية ونجاح قوات ردع العدوان بالوصول إلى دمشق، وتمكّنها من ترسيخ أقدامها٬ بقيت قوات سوريا الديمقراطية عامل قلق لحكومة دمشق الجديدة، التي حاولت في الأسابيع الستة الماضية التحاور مع تلك القوات وبمباركة أميركية. وقد التقى قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، قائدَ هذه القوات، الجنرال مظلوم عبدي، من دون أن تتمكّن المفاوضات بينهما من الوصول إلى حل، رغم ما تسرّب من الاتفاق على تقسيم الثروة النفطية. وبقيت معضلة طريقة الإدماج العسكري للقوات الكردية ضمن وزارة الدفاع الوليدة، فالجانب الكردي يصرّ على التعامل مع قواته بشكل خاص، ويقاوم تذويبها التام داخل مكوّنات الوزارة، الأمر الذي رفضه بشدة وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، وألمح إلى أن الوزارة يجب أن تكون سورية الطابع وعدم طغيان لون محدّد على تشكيلها.

تشجّعت بعض المكونات العربية المنضوية تحت قوات سوريا الديمقراطية على التخلي عنها، خصوصاً الموجودة في دير الزور، وشهدت خطوط التماس، خاصة حول سد تشرين ومناطق من دير الزور، اشتباكات، لكن الساحة الأكثر سخونة كانت منبج التي تناوب الطرفان على السيطرة عليها، وشهدت حالات تفجير سيارات مفخّخة. ومع اكتمال تنصيب الرئيس الأميركي ترامب اشتعلت خطوط التماسّ من جديد، واشتركت هذه المرّة إدارة العمليات العسكرية التي يديرها أحمد الشرع فعلياً في المعارك، وبدأت بالسيطرة على بعض الأراضي، حتى انحسرت بالتدريج المسافة بين وجود قوات العمليات العسكرية ونهر الفرات، وسيطرت إدارة العمليات على مدن هامة، مثل معدان جنوب مدينة الرقة، وهي تقترب ببطء من مركز المدينة، وتحاصر من ثلاثة جوانب دير حافر شرق حلب، وهدفها الوصول إلى مياه نهر الفرات قرب الطبقة، لتقترب وتشارك القوات القادمة من معدان، حيث تلتقي في الرقّة، وهو هدفٌ غير بعيد.

لم تعُد الولايات المتحدة مهتمة كثيراً بقوات سوريا الديمقراطية، وقد قالت إن الهدف قد تحقق، وظهر رد فعل فرنسي مشابه، ما فتح الطريق أمام إدارة العمليات للتحرّك الذي باركته تركيا بمزيدٍ من الدعمين، الجوي والسياسي، ولكن من دون أن يكون الهدف النهائي واضحاً من الهجوم، أو إن كانت القوات ستتابع تقدّمها في مناطق شرق الفرات، وصولاً إلى عاصمة "قسد" في الحسكة. وتستطيع المعطيات التي تملكها إدارة العمليات وخلفها تركيا أن توصلها إلى الحسكة فعلاً، ولكن هذا المجهود العسكري يجب أن يترافق مع مجهوداتٍ دبلوماسية كبيرة للإدارة الجديدة للولايات المتحدة التي قد تبدو راضية إن حظيت باتفاق معقول، خاصة إن بقيت القوات الكردية وحيدة، فمن المتوقّع أن تتخلى عنها كل المكونات العربية، وقد تلحق بها المكوّنات الأخرى على دفعات، ولا تبدو سلطة الحكم الذاتي العراقية التي لها حساباتها الخاصة قادرةً على تقديم شيء على الأرض. لذا قد يكون على مظلوم عبدي أن يجري اتفاقاتٍ مرنة لتجنّب سيناريوهات "مؤلمة".