عن مؤتمر الحوار الوطني السوري مجدّداً

26 فبراير 2025

من الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني في دمشق (25/2/2025 الوكالة السورية للأنباء)

+ الخط -

تلقيت، كما عشرات من السوريين والسوريات، دعوة لحضور مؤتمر الحوار الوطني في دمشق، لكن ضيق الوقت حال دون تلبية الدعوة التي وصلت إليّ (مثل كثيرين) متأخّرة. مع ذلك، لا أجد غضاضة في إبداء بعض الآراء، وتقديم بعض مقترحات وطرح أسئلةٍ يمكن أن تخدم فكرة الحوار الجاري حالياً وغاياته.
قد يكون من نافل القول الإشارة إلى أن الحوار في حدّ ذاته أمر مفيد، لكنّه ليس غاية، لأنه يصبح (إذا صار كذلك)، نوعاً من لغو لا تُرجى منه فائدة. وحتى يكون الحوار مفيداً، خاصّة في الحالة السورية، حيث تكون الحاجة ماسّةً إلى حوارات هادفة، تكبّدْنا ثمن غيابها دماً في عهد النظام البائد، عندما دفع انسداد الأفق السياسي السوريين إلى الشارع أولاً، ثمّ إلى حمل السلاح تالياً، بعد أن واجههم النظام بالقوة المميتة، لا بدّ أن نحدّد هدفاً، أو أهدافاً، لهذا الحوار، وقد نتّفق على أن أحد أبرزها يجب أن يكون وصول السوريين إلى توافقاتٍ أو رؤيةٍ مشتركة حول شكل الدولة الجديدة التي ينشدونها بعد إسقاط نظام الفساد والاستبداد. هذا يعني خصوصاً الاتفاق على شكل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، على أن يتم لاحقاً صياغة هذا الاتفاق في نصّ دستوري تخطّه لجنة من الخبراء القانونيين، ثم يُعرَض على استفتاء عام لإقراره. والواقع أن محاور النقاش المُحدَّدة في المؤتمر تلامس بعضاً من هذه القضايا الجوهرية، وإنْ لا تصرّح بذلك مباشرة. إذا تمكّن المؤتمرون من التوصّل إلى هذه الرؤية المشتركة بشأن شكل الدولة التي يريدها السوريون، نكون قد خطونا خطوة مهمّة في الاتجاه الصحيح، ولن تمثّل عندها تسمية المؤتمر مشكلةً حقيقيةً، أطلقنا عليه اسم "المؤتمر الوطني" أو "مؤتمر الحوار الوطني".
المسألة الثانية، التي يُؤمل أن تحضر بقوة في نقاشات المؤتمر، وإنْ لا يوجد ما يشير إلى ذلك في الأجندة، هي المرحلة الانتقالية. هنا يجب بالضرورة، وفي ظلّ الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد منذ سقوط النظام البائد، التوصل إلى تصوّر واضح حول خطوات المرحلة الانتقالية، وهو ما لا نملكه حتى الآن.
لبعضهم ملاحظات على المؤتمر لجهة الشكل والتنظيم والصلاحيات والغايات والمخرجات ومصيرها، وغير ذلك، وهو أمر طبيعي لا بدّ أن يرافق أيّ عمل، خاصّة إذا كان التعويل عليه كبيراً. لكن لا ينبغي، في أيّ حال، أن يبدأ المؤتمر حواراته من الصفر، ذلك أن في الزعم إن السوريين لم يتحاوروا فيما بينهم منذ سبعين عاماً كثير من المبالغة، فعلى مدى العقد الماضي، عقد السوريون عشرات المؤتمرات، ونظّموا الندوات والحوارات خارج سورية وداخلها، إذ لم يكن للنظام سلطة، وتوصّلوا، في أحيان كثيرة، إلى أرضية مشتركة حول قضايا جوهرية يمكن البناء عليها. ستظلّ عقدة التمثيل واحدة من الهواجس التي تؤرّق أيَّ اجتماع سياسي لبلورة توجّه واضح نحو الدولة السورية المأمولة، وفي غياب الآليات والأدوات اللازمة، لن يكون سهلاً الوصول إلى حلّ مناسب لهذه العقدة، فسورية غير جاهزة حالياً لأيّ نوع من الانتخابات، ليس لأن ذلك قد يتسبّب بتعميق الاستقطابات الراهنة، وزيادة الشروخ السياسية والاجتماعية، بل أيضا لأنه غير ممكن عمليّاً في ظلّ وجود ملايين السوريين خارج مناطق سكناهم، وعدم توافر أوراق ثبوتية لدى كثيرين منهم. هذا لا يعني أن نعدم الحيلة للتغلّب على هذه العقدة من خلال الاتفاق على جملة معايير لتحقيق أفضل تمثيل ممكن، لا يكون بينها ما يقبل التأويل، مثل معيار الوطنية، الذي يرفضه بعضهم لعدم وجود تعريف واضح له، أو مرجعية متّفق عليها تميّز الوطني من غير الوطني.
في كلّ الأحوال، من أجل مؤتمر وطني ناجح سوف يكون من الخطأ تماما إقصاء أيّ طرف أو شخص أو جهة، إلا إذا كانت متورّطةً في دم السوريين. الاستبعاد بسبب خلافات سياسية أو أيديولوجية ينتقض من تمثيلية المؤتمر، ويحوله إلى حوار اللون الواحد، وهذا غير مفيد. وقد أحسن الأخوة المنظّمون (برأيي) في خفض سقف التوقّعات من المؤتمر، والتلميح إلى أنه قد يكون مقدّمةً لحوارات مستقبلية أخرى، فالأسئلة هنا كبيرة وكثيرة، وقد تصبح بعد المؤتمر أكبر وأكثر.