عن لقاء معرفي عربي

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:31 (توقيت القدس)
+ الخط -

أمرٌ طيّبٌ أن تجتمع نخبٌ عربيةٌ مثقّفةٌ للتداول في شؤون الأمة، وأن تستضيف جامعةٌ من القطاع الخاص جمعاً كهذا، بالمشاركة مع مؤسّسةٍ أهليةٍ تُعنى بالبحث والدرس، فأمرٌ يستحقّ التنويه والتمثين. وأن يُتاح لهم أن ينتدوا في الذي يتداولونه بحرّيةٍ ظاهرة، فيليق بهذا الحال عظيم التقدير. وأن تتنوّع المنظورات التي يصدُر عنها ناسُ هذا المنتدى في رؤاهم بشأن قضايا غير قليلةٍ متعلّقةٍ بالراهن العربي وأثقاله الضاغطة، فلا بد أن يحوز هذا المشهد، بتفاصيله هذه، ما يتجاوز الاستحسان إلى الإعجاب... والحديثُ هنا عن منتدىً استضافته جامعة العلوم التطبيقية الخاصّة في عمّان، بالتعاون مع مركز إيلاف للدراسات، وأخذ عنوانَه "عوالم الصراع في الشرق الأوسط: المصائر والمآلات"، وشارك فيه مؤرّخون وباحثون وإعلاميون من سورية والأردن ولبنان وقطر والعراق والكويت والسعودية ومصر والإمارات، وتعدّدت الموضوعات التي تداولوا فيها يومين. تباينت مستويات العروض والمقاربات والمداخل، وأوضحت خلافاتٌ في وجهات النظر والتحليل بين عدّة مشاركين أن الثقافة السياسية هي ما يؤطّر الموقف الذي يتّخذُه المثقف العربي، وليس بالضرورة أدواته في النظر في هذه الواقعة السياسية أو تلك. وبمقدار ما كان مُستغرباً من أستاذٍ للتاريخ أن يستغرق في الحديث عن "أذرع إيران"، في لحظةٍ شديدة السخونة، من فرط توالي الاعتداءات والاستباحات الإسرائيلية في غير بلدٍ عربي، وفي غضون المذبحة اليومية في غزّة، بل والمستغرب من صاحبنا أن يلمّح إلى "حماس" واحدةً من هذه الأذرع، وإلى أنها قامت بعملية 7 أكتوبر باتّساقٍ مع حسابات إيرانية. وإذ كان حضور حرب الإبادة في غزّة عريضاً في مشاركات المنتدين، بدا طبيعيّاً أن يُؤتى على موضوعة الحركة الإسلامية المجاهدة، التي، بحسب أستاذ للعلوم السياسية، لا يجوز انتقادُها في أثناء مدحلة التمويت المتواصلة، الأمر الذي كان له نصيبٌ من جدال. أمّا الجدال الأوسع فتعلق بما كان موضع استهجانٍ عريض، بل واستنكارٍ أيضاً، أن يتحدّث مثقفٌ عراقيٌّ كرديٌّ عن "احتلال" دولٍ عربيةٍ أراضٍ للأكراد، ويتكلّم بلغة "مؤسفة" بتعبير باحثٍ عراقيٍّ ردّ عليه.

ليس غرض هذا التعليق المتعجّل أن يبسط كل ما جاءت عليه مداخلات المنتدين في اللقاء الذي أقيم بلا أي رعايةٍ رسمية، وإن افتتح أشغالَه رئيس الوزراء السابق، بشر الخصاونة، وإنما تأكيد المؤكّد عن حاجة النقاش السياسي العربي، في أوساط أهل الرأي والبحث، إلى فضاءاتٍ رحبة، وإلى تنويع المداخل فيه، والتحرّر من اليقينيات، فقضايا الشرق الأوسط الراهنة على كثيرٍ من التركيب. وفي محلّه ما ذهبت إليه الكلمة التعريفية بأعمال المنتدى، كما صدّرها مركز إيلاف، أن أزمات الشرق الأوسط ظلّت، في الأزمنة القريبة والبعيدة، عالقةً بلا حلولٍ جذرية. كما في محلّه أيضاً إتيانُها على وصف الخبراء الشرق الأوسط بأنه "المنطقة الأكثر سخونة سياسيّاً". وبالتالي، تبقى الجلسات السبع في يومي المنتدى محاولةً في "الإسهام بتطوير النقاش العلمي، واستشراف مستقبل المنطقة، والتفكير في مآلاتها"، وهو ما كتب مركز إيلاف إن هذا مما يأمله. وقد كان يُؤمل أن يحظى هذا اللقاء لنخبةٍ عربيةٍ متنوّعةٍ في عمّان باكتراث وسائل الإعلام الأردنية، وباهتمام أوساط المثقفين والمعلقين الأردنيين، وقبل كل هؤلاء وبعدهم، طلاب الجامعة المستضيفة، وإن انعقد الحدث قبل أن يلتحقوا بعامهم الدراسي الجديد.

كان حسناً أن نسمع، نحن ضيوف المنتدى والمشاركين فيه، من أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي، في الجلسة قبل الأخيرة، معطياتٍ بالغة الأهمية عن المشاركات العربية والأجنبية للجانب الأردني في عمليات إنزال مساعداتٍ غذائيةٍ وطبّيةٍ إلى أهالي قطاع غزّة، خصوصاً في الشمال. وأن نسمع حقائق لوجستية وعملية ليست ذائعة عن هذا العمل. والأهمية الخاصة لهذا الأمر ما أحدثه هذا النشاط من أثر إعلامي كبير في الرأي العام في الدول غير العربية التي شاركت فيه. ولا يعني التنويه بما أوضحه المتحدّث الأردني خصماً من القيمة العلمية والمعرفية لمشاركاتٍ في المنتدى (عن العرب وعلاقاتهم مع جوارهم، وعن أزمات الدولة الوطنية، مثليْن)، اجتهد أصحابُها في مقارباتهم لها، وقد أثاروا نقاشاً طيّباً، وساخناً أحياناً.

شراكةٌ طيبةٌ، إذن، بين جامعة خاصة ومركز دراسات، وهنا يحسُن تثمين جهد مدير مركز إيلاف مهنّد مبيضين ورئيس مجلس أمناء جامعة العلوم التطبيقية هيثم أبو خديجة. ويُؤمل أن تتعزّز بمشاريع مستقبلية أخرى، وتشجّع مراكز وجامعات أخرى على إنجازاتٍ مماثلة.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحافي من الأردن، مواليد 1965.