عن كره بوريس جونسون وحبّه

عن كره بوريس جونسون وحبّه

13 يوليو 2022
+ الخط -

يستحق بوريس جونسون معظم ما يُقال عنه انتقاداً قد يقتحم حقل الشتيمة السياسية. شعبوي باب أول، ساهم في افتتاح عصر الغوغاء المعاصر مع انضمامه إلى معركة بريكست، آتياً من معسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي إلى حين أقنعه دومينيك كامنغز بأن فريق المغادرة سيفوز في استفتاء 2016، فغيّر جلده بانتهازية طمعاً بمنصبٍ ناله في النهاية. صفة تُضاف إلى تواضع الأفكار المعروف عنه منذ كان كاتب مقالات لا قيمة كبيرة صحافياً لها. ثم يظهر لدى جونسون حلم أن يكون ترامب ــ بريطانيا، وقد بان ذلك في التناغم الكامل بينهما خلال العام ونصف العام التي تزامنت فيها ولايتاهما الرئاسية والحكومية. حتى في ما يخص كورونا، اضطرّ البريطانيون إلى انتظار إصابة جونسون نفسه بالمرض حتى يقتنع بأنه ليس "مجرد أنفلونزا" مثلما كان يردد هو وترامب، ويرسم سياسات حكومته حيال الفيروس على هذا الأساس. مات مَن مات نتيجة استخفاف رئيس الحكومة بالوباء قبل أن ينام جونسون ليلتين في غرفة العناية المركزة ويخرج منها مصمماً على التحرك بإغلاقات جذرية للبلد وبسياسة تطعيم نشيطة. هو يميني متطرف في الاقتصاد، بما أهّله لأن يكون ابناً أصيلاً لحزب المحافظين البريطاني، حزب مارغريت تاتشر النيوليبرالية المتوحشة. منحاز من دون تردّد لتخفيض الضرائب على الأثرياء وزيادتها على محدودي الدخل. مغرم بالخصخصة، في بلد باع كل مؤسساته العامة للقطاع الخاص ما عدا جهاز الصحة العامة "أن أتش أس"، والعمل جارٍ على إفقار المؤسسة التي يستفيد منها كل سكان المملكة المتحدة، أي ما يناهز 70 مليون شخص، لإقناع الناس بأن الدولة رب عمل فاشل، وأن إدارة الجهاز من القطاع الخاص ستحسّن شروط الخدمات الصحية. في كل خطاب، يحاول جونسون انتحال صفة القومي البريطاني، فيكرر كلمة بريطاني بشكل مملّ، ليرسّخ فكرة أن لا أوروبا منا ولا نحن من أوروبا. وهو فوق كل هذا، فاشل: في عهده سجلت بريطانيا أعلى نسبة من التضخم من بين جميع البلدان الصناعية (9.1 في المائة). في زمنه، سجل الاقتصاد البريطاني أكبر انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي منذ 300 سنة، بحسب مكتب الإحصاءات الوطنية. تراجعت المملكة مقعدين على لائحة أكبر الاقتصادات في العالم (من المركز الرابع إلى السادس). وقبل كل هذه المصائب التي يجسدها جونسون، تأتي الكارثة الكبرى بالنسبة للناخب البريطاني ولممثلي هذا الناخب، وهي أن بوريس جونسون كاذب متسلسل. وما كذبه في قضية "حفلات كورونا"، ثم قصة تعيينه "المفترس الجنسي" كريس بينشر نائباً لمسؤول الانضباط الحزبي، وهو يعرف تماماً عن مخالفاته وجرائمه، إلا النقطة التي أفاضت الكأس. تحمّل البريطانيون، وأنصار حزب المحافظين منهم، كل سيئات رئيس حكومتهم، إلا الكذب بهذه الدرجة من الصفاقة.

لهذه الأسباب وغيرها الكثير (ليس من بينها تسريحة شعر الرجل ولا أي أمر يتعلق بحياته الخاصة)، يستحق بوريس جونسون معظم ما يُرمى به من انتقادات وشتائم سياسية. أما ما يتعلق بأحداث الأسبوع الماضي في بريطانيا، فلا يستدعي لا الانتقاد ولا التذاكي ولا الشتم، بل يثير مزيداً من التقدير للديمقراطية واحترامها. قرر حزب جونسون إطاحته، فاستقال الرجل في غضون 24 ساعة (يرحل عند اتفاق الحزب على خليفة له). لا يكفي القول إنه ما كان بإمكانه فعل أي شيء آخر غير الاستقالة، فقد كان باستطاعته نظرياً ربما تقليد صديقه ترامب في العبث والتمرد والتسبب بأعمال عنف. لكن لا وجود لكلمة "لو" في التاريخ، بالتالي لا محاسبة للنوايا: جونسون امتثل لقواعد الديمقراطية، وهذا هو الأمر الأهم في تقييم تجربته المحصورة بمغادرة منصبه.

أما عن بوح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بكره القيّمين على السياسة الروسية وحروبها وجرائمها لجونسون، فتلك قصة أخرى، وأسبابها مختلفة، تجعل كثيرين يغمرون رئيس الحكومة المستقيل بأسباب تخفيفية، وتدفع بآخرين إلى إغداق العاطفة على جونسون، والتحسر عليه فقط لأن رجال فلاديمير بوتين يكرهونه.

أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري