عن فن التفاوض لدى ترامب

23 ابريل 2025
+ الخط -

يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لديه خبرة ستة عقود في تجارة العقارات أن الهدف من التفاوض على عقد صفقة ما ينبغي أن يكون كبيراً ليتسنّى إعطاء تنازلات صغيرة إذا ما تطلب الأمر ذلك، وشيئاً فشيئاً سيحصل المفاوض على ما يريده، وفي حالاتٍ قد يكتفي بقليلٍ، لكنه مع استمرار التفاوض سوف يحصل على الكثير مما يطمح له. يضع ترامب في كتابه "فن الصفقة"، الذي شاركه في كتابته الصحافي توني شوارتز، ونُشر في 1987، ثلاث قواعد تقوم عليها عملية تفاوض ناجحة: التركيز على طرح الحد الأقصى لما هو مطلوب، والاهتمام بدرء المخاطر التي قد تسبّب فشل المفاوضات، والبقاء في حالة مرونة كافية لإنجاح التفاوض.

ينصح ترامب من يتصدى للتفاوض أن لا يستسلم لأمرٍ يريد الطرف الآخر فرضه عليه، وأن ينطلق دائما من موقع قوة، وأقوى موقع للقوة هو "امتلاك شيء يريده الطرف الآخر، أو شيء لا يمكنه الاستغناء عنه". وغالبا ما تتطلب هذه الميزة خيالاً واسعاً، ومهارة في التعاطي مع المتغيرات التي قد تفرزها مسيرة المفاوضات الطويلة.

يمضي ترامب في توصيف التفاوض بأنه "فن استراتيجي وليس لعبة"، حيث يتطلب من الشخص المفاوض اكتشاف ما يريده خصمه، فإذا استطاع أن يجعله يعتقد أن لديه ما يحتاجه بالفعل يكون قد حقّق نقطة لصالحه، ويتطلّب الأمر أيضا كشف بعض نقاط ضعف الطرف الآخر على أن يتم ذلك باستخدام لغة لبقة، من دون أن تكون هناك إساءة.

ينصح ترامب الشخص المفاوض أن يجنح الى المبالغة في عرض مطالبه، و"القليل من المبالغة لا يضر أبداً، والناس يحبون أن يعتقدوا أن هذا الشيء أو ذاك هو الأعظم والأكثر فائدة، على أن تكون المبالغة في نسختها البريئة، ومن دون كذب كي تصبح شكلاً فعّالاً لما تريد ترويجه. وفي النهاية، يجب توخّي الحقيقة، وإلا سيعتبر الناس ما تطرحه مجرّد خدعة".

ينصح ترامب الشخص المفاوض أن يجنح الى المبالغة في عرض مطالبه

يقول ترامب إن عليك عندما تتفاوض أن تحمل معك شيئاً من العدوانية، و"العدوانية" ليس بمعنى الحقد، وإنما بمعنى النظام والانضباط، وهو شخصياً كان قد تعلم ذلك عندما كان طالبا في الأكاديمية العسكرية في نيويورك، "كان لأحد أساتذتنا تأثير كبير علي... رجل قوي جدّاً، من النوع الذي عندما يصيب المرمى بخوذة رياضة (الرجبي) الخاصة به يكسر العمود، ولم يكن يسمح لأحد بالرد عليه، وسرعان ما أدركت أن من المستحيل منازلة هذا الرجل، ولذلك اختار معظم زملائي التكتيك المعاكس، واعتمدوا موقفاً خاضعاً. أما أنا فقد اتخذت الطريق الثالث، وبطريقة ما تغلبت عليه، ساعدتني لياقتي البدنية، وما فعلته أنني جعلته يفهم أنني أحترم سلطته، ولكنني لا أخافه، لقد كان الأمر يتعلق بالحفاظ على توازن دقيق".

ما يمكن استنتاجه من طروحات ترامب أنه يعتمد دائماً مبدأ "أنا الرابح، وأنت الخاسر"، وهو يعتقد أن إغراق الطرف الآخر بحيثيات ذلك يجعله يدرك أنه لا بد من الحفاظ على التفاوض عبر تبادلاتٍ متوازنة، لكن هذا الطرح قد لا يصدُق دائماً، وهذا ما نلاحظه في تبنّيه فكرة إيقاف الحرب الأوكرانية، وما فهمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الخبير بحالات كهذه اختبرها في أثناء عمله في عالم الاستخبارات إبّان الحكم الشيوعي، دفعه لقذف الكرة في ملعب ترامب نفسه، والتلويح بشروطه للتسوية مع كييف.

حدّدت واشنطن مطالب "الحد الأقصى" في التفكيك الكامل للبنية النووية، وإيقاف إنتاج الصواريخ البالستية ذات القدرة البعيدة، والتخلي عن الأذرع المليشياوية الناشطة في أرجاء الإقليم

وفي الحالة الإيرانية، حدّدت واشنطن مطالب "الحد الأقصى" في التفكيك الكامل للبنية النووية، وإيقاف إنتاج الصواريخ البالستية ذات القدرة البعيدة، والتخلي عن الأذرع المليشياوية الناشطة في أرجاء الإقليم، وسيجاهد الإيرانيون من أجل أن يقتصر التفاوض على "المسألة النووية"، لكنهم سوف يرضخون، في النهاية، لمناقشة المطالب الثلاثة معاً، وسيحاولون التخفيف من اشتراطاتها إلى أدنى درجة ممكنة. وعند هذا المنعطف، سيكون على ممثل واشنطن الحفاظ على المرونة في التفاوض، والبحث عن فرص للوصول إلى ما يريده، وهو ما يتفق مع نهج ترامب الوارد في كتابه لضمان نجاح المفاوضات، وخاصة أن "صفقاتٍ عديدة قد تفشل مهما بدت واعدة في البداية".

وبالطبع، قرأ مبعوث ترامب إلى مفاوضات مسقط ثم روما ستيف ويتكوف نصائح ترامب، ويعرف كيف يتعامل بها، وهو مثل رئيسه عمل في مجال الاستثمار وتجارة العقار. والمثير أيضاً أن من اختاره المرشد الإيراني خامنئي لتمثيله في المفاوضات هو عباس عراقجي، الذي نشأ في ظل عائلة ثرية تعمل في تجارة السجّاد، وكثيراً ما شهد في متجر أبيه كيف تُدار الصفقات، وعرف كيف يصبر الصنّاع الإيرانيون 20 سنة كي يفرغوا من صنع سجّادة واحدة، وهو أيضاً بإمكانه أن ينطلق في مسلكه التفاوضي من مبدأ "التقية" المعروف لدى أتباع "ولاية الفقيه".

... هذا كله يجعل من مفاوضات مسقط ثم روما حدثاً بالغ الأهمية، وتأثيراتها قد تمتد عقوداً.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"