عن دعمٍ يعيّر به النظام المصري الشباب

عن دعمٍ يعيّر به النظام المصري الشباب

30 ديسمبر 2021

(محمد عبلة)

+ الخط -

يخرج، بين حين وآخر، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أو بعض وزرائه، معيِّراً المصريين بما يحصلون عليه من دعم، من دون أدني تفكيرٍ في ما قاموا به من تخفيض جذري لهذا الدعم، وإنهائه في بعض القطاعات تماماً، بل وتحوّل الدولة إلى تاجر في بعض السلع، كالغاز والكهرباء، تبيعها للمصريين، بقيمٍ أعلى من الأسعار العالمية في أحيانٍ كثيرة، من دون رقيب أو حسيب.

هذه المرّة، يتحدّث الرئيس، محذّراً الشباب مما يمكن أن يحدُث للدعم الذي يحصلون عليه حال الزواج، قائلاً إنه لن يستطيع إعطاء دعمٍ لمن يتزوج، إذ كيف يتزوج وهو غير قادر على كفالة أسرته. قد تكون سياسات الدولة في تنظيم الأسرة المتبعة منذ التسعينيات مفهومةً في إطار التكرار الدائم وغير المبرّر لمقولات أنّ النمو السكاني يلتهم ثمار التنمية، ويقلّل المؤشّر العام للنمو، في ادّعاء مبتذل مكرّر من كل المسؤولين المصريين منذ زمن، حتى إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على سياساته الاقتصادية والاجتماعية الجيدة، طالب المصريين بتحلية الشاي بملعقتين سكر بدلاً من ثلاث في أحد خطاباته، مساهمةً منهم في المجهود الحربي ودعم الاقتصاد. ولكن غير المفهوم أن لا تكون المعلومات بشأن معدلات البطالة وبطالة الشباب بالذات لا تصل إلى الرئيس، وهي مرتفعة للغاية، ولا يمكن إخفاؤها، سواء لتأثيراتها في المؤشّرات ذات الصلة، أو لوضوحها في الشارع وانعكاساتها على كل المشكلات الاجتماعية المصرية.

الحديث هنا عن انخفاض معدلات الزواج من 11,2 حالة لكل ألف مواطن في عام 2011 إلى 8,7 حالات في 2020، مع ارتفاع معدلات الطلاق من 1,9 لكل ألف في 2011 إلى 2,2 في 2020، مع ارتفاع سنّ الزواج لدى الجنسين خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ، وصولاً إلى أكثر من 28 عاماً وبمعدّل غير مسبوق. ولا يمكن أن يُعزى ذلك إلا إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لم يكن للمصريين دخل فيها، حيث مهما اجتهد الشباب في العمل، فإن القدرة الشرائية للرواتب انحدرت كثيراً منذ عام 2016، ولم يعوّضها أي ارتفاع ملحوظ، ولا نقول موازياً للأجور، في هذه السنوات، سواء بتعويم العملة أو حتى بسياسات الاقتراض الشرس للحكومة من الداخل والخارج، ومراكمتها الديون والفوائد المكبلة لمستقبل مصر وشبابها، بحيث أصبح ما عليها أداؤه للخارج أكبر بكثير مما يُنفق على الخدمات العامة الرديئة المقدّمة لعموم المصريين. بل إن الحكومة عندما أقرّت الحد الأدنى للأجور تحت ضغط سنوات من الثورة، لم تطبقه إلا على مراحل، وبعد إخراج القطاع الخاص من عملية تطبيقه وإعطائه الحرية الكاملة في إقرار ما يشاء من دون قيد أو شرط. وعندما تحدّثنا وسائل الإعلام والأخبار الرديفة عن أنّ الحكومة قد اتخذت قراراً بتطبيق هذا الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص العام المقبل 2022، فإنها في اليوم التالي رضخت لضغوط من لوبي رجال الأعمال القوي، واستثنت قطاعاتٍ عديدة، وهذا يعني أن ملايين المصريين يعملون بأقل من الحد الأدنى الذي هو في الأساس غير عادل، وغير مرتبط بمعدّلات التضخم الجنونية التي تضرب البلاد كالعاصفة كل عام.

يتزايد توحش الحكومة في استنزاف جيوب المصريين في الضرائب والرسوم والدمغات غير المبرّرة

يتعامل النظام في مصر مع المصريين باعتبارهم عالةً على الحكومة، فيما يتناسى المسؤولون أن الموازنة العامة للدولة المصرية مموّلة بنسبة تفوق 75% من ضرائب المصريين في وضع غير مسبوق. وعلى الرغم من أن معدّل الضرائب منخفض في المجمل، إلا أن تحصيلها من الفقراء والضرائب المباشرة على الجميع، من دون مراعاة العدالة، يشي بأن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية لهذا النظام تسير عكس عقارب ساعة العدالة الاجتماعية التي تزخر بها دساتير وبيانات موازنات مصر منذ الستينيات.

النظام الذي أجّل عدة مرات تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على التداول في البورصة التي يجب أن يدفعها الكبار، ويمكن أن تعوّض الكثير من التحصيلات والرسوم والدمغات التي فرضت أخيراً على الفقراء، يتحدث عن بضع مئات من الملايين يحصل عليها الشباب الذين ترتفع معدلات الفقر والبطالة بينهم بشكل كبير.

دائماً ما يشكو المسؤولون من أنّ المصريين، والشباب عموماً، كسولون ولا يعملون، وتوجد وظائف عديدة لا تجد من يشغلها، بينما تفيد تقارير منظمة العمل الدولية بأن المصريين ضمن أكثر الشعوب التي تعمل أكبر عدد ساعات عمل ممكنة أسبوعياً وتفوق الـ 45 ساعة. فيما المشهد كذلك، يأتي الرد الاجتماعي المفاجئ والمحزن وغير المرتب في صيغة خبر انتحار شاب مصري أربعيني داخل مقر شركة دولية في القاهرة، يعمل فيها بجد واجتهاد، لكي يفي أسرته الصغيرة، بسبب تعنّت مديره في صرف ساعات العمل الإضافية، ويرغب في فصله، فقط لأنه يذهب كثيراً إلى المرحاض لقضاء حاجته. وهكذا تعمل سياسات السوق في مصر بشراسةٍ، لا تسمح للمرء بأن يقضي حاجته، وتستعمل فيها الشركات الدولية خيرة الشباب من أجل تعهيد خدمات دولية بأرخص الأثمان وأبخسها، من دون قيد أو شرط حكومي يحفظ حقوق هؤلاء العمال في غياب شبه تام للحق في التنظيم والنقابات التي لا يسمح النظام إلا بوجود القيادات الموالية فيها، والتي ترى الأمور في غاية التمام.

تسير السياسات الحالية ضد مصلحة الشباب، على الرغم من أن أغلب السكان هم في هذه الفئة، في تحدٍّ صارخ لأي عقل أو منطق

بينما يتزايد توحش الحكومة في استنزاف جيوب المصريين في الضرائب والرسوم والدمغات غير المبرّرة، فإن مثل هذا الخطاب يبدو غير منطقي، لأنه لا أحد ينفق على المصريين من جيبه الخاص، بل إنهم ينفقون من جيوبهم على سداد ديون وفوائد ومشروعات لم يأخذ أحد رأيهم فيها، ولم يكن لهم دخل في أية عملية لترتيب أولويات إنفاقها إن وجدت هذه العملية بالأساس. وبينما يُفترَض أن تؤدي المعلومات المتوافرة إلى اعتماد سياساتٍ في الاتجاه المغاير تماماً من أجل تيسير الزواج للشباب، تسير السياسات الحالية ضد مصلحة الشباب، على الرغم من أن أغلب السكان يقعون في هذه الفئة، في تحدٍّ صارخ لأي عقل أو منطق، حيث يدفع أقل شاب مصري على الأقل 26% من دخله الشهري كضرائب، سواء قيمة مضافة أو ضرائب على المرتبات، بينما الدعم الذي يتحدّث عنه الرئيس والحكومة لن يتجاوز قيمة ضريبة القيمة المضافة التي يدفعها أي شاب في خمسة أيام.

لا يمكننا، نحن الشباب المصري، أن نتخيّل كيف سيعيرنا هذا النظام إن كانت لدينا مواصلات عامة ممتازة في كل المدن بأسعار واشتراكات زهيدة للشباب وللمعلمين والمسنين، أو إن كان هناك قاعات أفراح ومأذون تابع لبلديات محترمة تؤدّي خدماتٍ متميزة للشباب، سواء ما يتعلق منها بالمطاعم والكافيهات وخدمات الضيافة البلدية ذات المواقع والتجهيزات الفارهة، وبأسعار زهيدة جداً، بينما يحمل شبابنا هموم تحويشة الفرح والمأذون وترتيبات الزفاف الأخرى التي قد تُبقيه مديناً بقية حياته. لا نتخيل كذلك كيف ستكون المعايرة، إذا كان هذا النظام يمكّن كل شاب لم يتجاوز الثلاثين عاماً من شراء عقار أو سيارة بتسهيلاتٍ كبيرةٍ جداً. يحدث هذا في بلدانٍ عديدة، وأغلبها ليست نفطية، ولا تحصل ضرائب بالقدر نفسه من الشباب والفقراء في بلدانها. لا يكتفي النظام في مصر بهذه المعايرات، بل يطلق الأبواق الإعلامية لتدمير مفهوم الأسرة، ويُفرد مساحاتٍ هائلة لبرامج تدعو كل طرفٍ إلى التمركز حول الذات في صراع ثيران، وتخرج فيه مذيعاتٌ لا ينتمين إلى الواقع بصلة، محرّضاتٍ المصريات العاديات على الطلاق، تحت بنود الاستقلال والقوة وتمكين المرأة، من دون حتى إيجاد أية مسارات بديلة محترمة، للالتقاء في أية مساحاتٍ عامة بين الشباب والفتيات، في تحدٍّ صارخ لحاضر المجتمع المصري ومستقبله.