عن حديث الحوار في مصر

عن حديث الحوار في مصر

27 مايو 2022

(محمد عبلة)

+ الخط -

تدور في مصر، منذ أسابيع، أحاديث كانت تعدّ، منذ فترة، نادرة الحدوث أو محفوفة بالمخاطر، فبعد سنوات طويلةٍ من إغلاق المجال العام أو انغلاقه، أصبح هناك عبارات تتداول، أخيرا، مثل الحوار الوطني أو الانفراجة السياسية أو قوائم الإفراجات عن المعتقلين، وهي مصطلحاتٌ كان النقاش فيها من المحرمات.

كانت البداية من خلال دعوة شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة المصرية لحدثٍ تنظمه مؤسسة الرئاسة المصرية كل عام، إفطار الأسرة المصرية الذي كان في أواخر شهر رمضان الماضي، وقد حضرته عدة شخصيات محسوبة على المعارضة المصرية في الداخل، مثل المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، وأيضا الصحافي خالد داود، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، ووزير القوى العاملة الأسبق، كمال أبو عيطة.

وثارت ضجّة كبيرة هذه المرّة، بسبب أنها كانت المرّة الأولى منذ عدة سنوات التي يجري فيها استقبال شخصيات معارضة في هذا الحدث. وفي ذلك الإطار أيضا، أطلق شعار "أن الوطن يتسع للجميع وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية"، وأعلن عن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي مرة أخرى، بعدما توقف عملها بدون سابق إنذار، وبدون أسباب مفهومة منذ عدة سنوات. وبعد ذلك، جرى الإفراج عن عدد من المحبوسين على خلفية قضايا سياسية، وهو ما قوبل بترحاب في الأوساط والمجموعات المرتبطة بثورة يناير. وفي الإفطار نفسه، أُطلقت دعوة أو مبادرة للتنسيق مع كل التيارات السياسية الحزبية والشبابية، وبدء حوار سياسي بشأن أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، تلتها دعوة أحزاب ونقابات وشخصيات سياسية عديدة، لتقديم مقترحات للحوار الوطني ونقاش قضايا عديدة، مثل قضايا الحبس لأسباب سياسية لسنوات طويلة، وكذلك مناقشة المناخ السياسي وكيفية جعله أكثر انفتاحا، وبالطبع القضايا الاقتصادية أو الأزمة الاقتصادية الحالية. بتعبير أدقّ، سيكون لها مساحة كبيرة في الحوار، وإن كان بعضهم يرى أن الأزمة الاقتصادية هي الدافع والمحرّك الأساسي لتلك الانفراجة المنتظرة.

لا يوجد توازن حقيقي في القوى، ومؤهلات المعارضة لا تؤهلها لتكون ندّا للنظام، وأيضا لا توجد ضماناتٌ تجبر السلطة على تنفيذ ما يجري التوصل إليه

قابل بعضهم تلك الدعوات بتشكّك كبير، فقد أثيرت دعوات مماثلة إلى الحوار عام 2016، وانتهت إلى الإفراج عن بضعة معتقلين، وسرعان ما توقفت تلك الجهود من دون أسباب مفهومة، وتكرّرت تلك الدعوات أيضا في 2018، وانتهت إلى بضعة إفراجات، ثم سرعان ما توقف كل شيء سريعا، واختفت كل الأحاديث عن الانفراجة، وتلاشت الآمال الكبرى التي رسمها بعضهم عن إمكانية عودة الحياة السياسية في مصر.

وعلى الرغم من أنني قادمٌ من خلفيةٍ محسوبةٍ على أفكار راديكالية، ولي دور في تأسيس حركات شبابية، هناك من يرى خطابها ثوريا صداميا أو راديكاليا حادّا، فإنني، في الوقت نفسه، لا أرى غضاضة في السعي من خلال كل محاولات الحوار والوصول إلى حل وسط، وكان هذا سبب تأييدي، في السنوات الأخيرة، فكرة المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، رغم عدم وجود ضمانات كافية ورغم كل المآخذ عليها. وأيضا من المفيد أن ندعم كل مساعي (ووساطات) الإفراج عن الزملاء والرفاق وكل من هم في السجون ظلما بسبب رأي أو اعتقاد.

وقد مررتُ بفترة سجن ثم مراقبة وتضييق واجراءات انتقامية، وكذلك عشرات ومئات الأصدقاء والزملاء، وليس خافياً أنني معارضٌ للمسار السياسي والاقتصادي وكل ما يحدُث من إجراءات منذ 2013. ولكن أعتقد، في الوقت نفسه، أنه لا مفرّ من الحوار من أجل حلحلة حالة الجمود التي نعيشها في مصر، ومن أجل الإفراج عن مزيد من الزملاء المحبوسين، فربما يكون ذلك أفضل كثيرا من ذلك الفراغ واللاشيء، وبعض الحراك حتى لو كان شكليا أو صوريا أفضل من ذلك التكلس والانسداد التام للأفق، فكل مجهودٍ يبذل من أجل الإفراج عن مزيد من المحبوسين مشكورٌ وضروري في ظل تركيبة السلطة الحالية.

التجارب الأكثر نجاحاً هي التي انتصر فيها الإصلاحيون من السلطة والمعارضة

في تجارب عديدة في العالم، كانت هناك قنوات اتصال وحوار بين السلطة والمعارضة، أو جماعات المقاومة، السلمية منها وغير السلمية، وكان دائما هناك صقور وحمائم في كل جانب، ففي معسكر السلطة، أي سلطة، هناك دوما من يرفض أي حوار أو تفاوض، وهناك دوما من يرى أن تقديم تنازلاتٍ للخصم خيانة كبرى وجريمة لا تغتفر، أو يرى أن الصراع الصفري والتصعيد دوما نحو النهاية هو الحل، وأن سحق المعارضين والمخالفين هو طوق النجاة من كل الأزمات. وعلى الجانب الآخر، هناك دوما من يرى الحوار مع السلطة خيانة، وأن التطبيع معه جريمة، وأنه لا تفاوض إلا بعد الرحيل، وتبدأ المزايدات واتهام رفاق الماضي بالخيانة، لأنهم قبلوا الحوار مع السلطة الحاكمة.

والتجارب الأكثر نجاحا كانت هي التي انتصر فيها الإصلاحيون من جانبي السلطة والمعارضة (أو المقاومة). صحيحٌ أنه حتى الآن لا يوجد توازن حقيقي في القوى، ومؤهلات المعارضة لا تؤهلها لتلك الحالة، وأيضا لا توجد ضماناتٌ تجبر السلطة على تنفيذ ما يجري التوصل إليه، وليس هناك أيضا ضمانات ان تتفق المعارضة على شيء، لكن بدء هذه الخطوة، في حد ذاتها، قد يكون مخرجا لأزماتٍ كثيرة، وبداية لتخفيف عن المحبوسين وذويهم، وهم بالآلاف.

التخفيف عن المحبوسين وذويهم إنجاز كبير في حد ذاته، وإنْ لا تزال هناك آمال كبيرة لدى كثيرين ممن شملتهم دعوة الحوار في أن يؤدى إلى إصلاح تشريعي ونيابي، أو انفتاح سياسي تدريجي، أو بداية لعودة الحياة السياسية، وأن يكون الوطن فعلا يتسع للجميع .. كثيرون يتشكّكون ولا يصدّقون وعود السلطة أو الانفتاح غير المبرّر، ويجزم بعضٌ أنه مجرد "لقطة أو انفتاح صوري من أجل الغرب، ولكن ثمّة من يرى أن من الأفضل استغلال كل أنصاف الفرص من أجل تخفيف القبضة الأمنية، فربما يكون هناك ضوء ضئيل في نهاية النفق المظلم.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017