عن الثورة المقبلة في مصر

14 يناير 2025

(محمد عبلة)

+ الخط -

يتحدّث الجميع عن ثورة، عن حراك، عن إزاحة النظام الحالي لصالح "أيّ مستقبل"، تخيل!. صار المجهول أفضل، لأنه لن يكون أسوأ من الحالي عند أحد، ربّما باستثناء المستفيدين، ورغم ذلك يتحدّث المستفيدون قبل ملايين المتضرّرين عن ثورة محتملة، يتحدّث الموالون خوفاً، ويتحدّث المعارضون طمعاً، ويتحدّث أهل المعتقلين طلباً للحرّية، ويتحدّث أهل المختفين قسراً والمنفيين جبرياً أملاً في العودة المستحقّة. وقبل ذلك وبعده، يتحدّث المصريون، رهائن واقعهم، أملاً في النجاة. لا أحد لا يتحدّث عن ثورة، مؤكّداً أو مشكّكاً، متوعّداً أو ساخراً، مبشّراً أو ميئّساً، فالثورة حاضرة، وأسبابها أكثر حضوراً، ولا يمكن أن تدور هذه الجدالات كلّها حول عدم.
هل تحتمل مصر ثورة الآن؟ ربّما لا، لكنّها لا تحتمل استمرار النظام الحالي يوماً، ولا يعني الاستمرار القسري سوى النزيف اليومي من أرصدة المصريين المادّية والمعنوية، والتخريب الممنهج، وفق خطّة واثقة، تستند إلى الإلهامات السماوية، لحيواتهم. يجب أن يتوقّف هذا العبث، وفوراً، ولا يمكن لأحد أن يدّعي وطنية وطلباً لاستمرار النظام الحالي في آن، فإمّا مصر أو النظام الحالي. وهذه معادلة الواقع التي لم يصنعها أحد من خصوم النظام، بل صنعها أداؤه، فلا عدوّ للنظام الحالي في مصر أخطر عليه منه، لا مؤامرات خارجية، ولا خطابات قنوات الإخوان المسلمين التي لا يشاهدها سوى الإخوان المسلمين، ولا خصوم النظام السابقين، الذين تحوّلوا حلفاءَ وشركاءَ، ولا حتى الثورة السورية، التي يحرص نظامها الجديد، على احترام "الأمر الواقع"، ومن ثمّ استرضاء القوى الإقليمية المحورية، ومنها مصر.
لم يعد مجال لاختلافٍ كاذبٍ بشأن تقييم ما تشهده مصر. الأرقام تتحدّث، العملة تتحدّث، أحوال المواطن تتحدّث، صرخات الناس التي ارتفعت، رغم إخراسها، ولا حلول لدى النظام، فمهمّته التي اختارها هي إحداث المشكلات غير الموجودة، والاستثمار في الموجود، حتى انتشرت تفسيراتٌ تآمريةٌ حول ولاءات رأس النظام وأنه مزروع وصهيوني، وهي تفسيراتٌ لا يقوم عليها دليل، لكنّ رواجها وانتشارها وتصديقها إلى درجة اليقين يُخبرنا بوضوح عن صورة النظام الحالية لدى قطاع واسع من المصريين، فما العمل؟
التغيير نتيجة حتمية، وسوف يأتي، اختياراً أو انفجاراً، ومن مصلحة الجميع أن يأتي هادئاً وعاقلاً ومدروساً، وأن يأتي من داخل الدولة، وبالتوافق، وألا تُترَك فراغات النظام الشاسعة لتمتلئ بالغضبات الجامحة، والثارات المتراكمة، والمرارات المعتّقة.
أخيراً، يريد النظام الحالي أن يصوّر كلّ دعوة سياسية إلى تغييره دعوةً إلى العنف والإرهاب، ولا تسعفه مهارات التزوير بعد استنفاده حظوظه من تخويف المصريين من البديل الإسلامي، الإرهابي بالضرورة، وتبريره وجوده (غير المبرّر) بأنه ضمانة التخلّص من أهل الشرّ، إضافة إلى صور كثيرة تطغى كثافةُ حضورها على ما سواها، أبرزها صور قصور الرئيس وعواصمه الجديدة في صحراء القاهرة والإسكندرية، والتي بناها لمصر، أو بالأحرى "إيجيبت"، وليس له (كما يقول). ذلك كلّه يحوّل دون حِيَل الخطاب الإعلامي في الشاشات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة اضطرار النظام إلى التماس طوق نجاة في حساب على "إكس" لجهادي مصري في سورية يبشّر بثورة مسلّحة، ويسمّيها "يناير"! وتتولّى حسابات كتائب النظام الإلكترونية في مصر (من دون غيرها) ترويج ما يكتبه هذا الجهادي، في إشارة إلى أن الجهاديين هم البديل. وبصرف النظر عن تعليقات بعض المصريين التي رأت في الجهاديين بديلاً أقلّ كارثية من النظام الحالي، فإن من يعرف الشأن المصري جيّداً، أو على خفيف، يعرف بالضرورة أن لا إمكانية لحلّ مسلّح (أو إسلاموي) في مصر، ولو افترضنا أن أحداً يريده، فلا بنيةَ تحتيةً، ولا حاضنةَ شعبيةً، بل على العكس، مُجرَّد الإشارة إليه سوف تدفع أكثر خصوم النظام الحالي، وأولهم كاتب السطور، إلى الاصطفاف مع النظام، كما أن قوة الجيش المصري، التي لا يختلف حولها عاقلان، تحول دون مُجرَّد التفكير في هذه العبثيات، ولا تعدو هذه الدعوات سوى قارب نجاة متوهَّم لنظام غارق بالفعل.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان