عندما يتبخّر الحسّ النقدي عند سوريين موالين

05 مارس 2025
+ الخط -

الحميّة التي يُظهرها كُثر من الموالين للمسؤولين الذين يحكمون سورية منذ سقوط نظام الأسد ضد أي اعتراض، مقلقة بقدر ما هي مفهومة، والمفهوم يختلف عن المبرَّر. رصد سلوك موالين بعضه تشبيحي تخويني طائفي على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأحاديث الثنائية والجماعية الكثيرة الجارية هذه الأيام بشأن كل شيء وفي كل مكان، انتقاماً من عقود الخرس السياسي في مملكة الصمت الأسدية، قد يثير فزعاً لو كان المتابع مراقباً أجنبياً. أما عندما نضع العصبية تلك في سياقها السياسي التاريخي النفسي الطائفي، ربما يصبح القلق عقلانياً، ونمسي واقعيين في طموحاتنا لمستقبل هذا البلد.

وجب تثبيت قاعدة أساسية للنقاش المتوازن تعترف بأن فضلين اثنين كبيرين فعلاً يعودان لأحمد الشرع ولرفاقه، وهما أنهم هم من تجرّأوا على اتخاذ القرار التاريخي بإطلاق الحملة العسكرية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني والذي اعتبره كثر عن سوء تقدير (منهم كاتب هذه الكلمات) بمثابة انتحار جماعي ومقامرة كارثية. وفضلهم الثاني أنهم دخلوا المدن والبلدات والقرى بين 27 نوفمبر والثامن من ديسمبر/ كانون الأول بأقل منسوب ممكن من الجرائم والانتقام والانتهاكات، وقد جنّبّ ذلك السلوك البلد حرباً أهلية شاملة دفعة واحدة، وإن كنا نشهد منذ سقوط الأسد معارك وجرائم وأعمال ثأر واشتباكات وفظائع بالمفرّق وحروباً أهلية بالتقسيط، يزداد هولها كلما ابتعدنا عن المدن والبلدات الكبرى. أما وقد أعطي صاحب الحق حقه، فقد وجب إكمال العبارة بالقول إن كل ما عدا هذين الفضلين مشرّع للانتقاد وللمعارضة، لأن أقل ما يمكن فعله هو التوجّس من حكم إسلاميين سلفيين هم أمراء حرب، وانشقاقهم عن تنظيمي داعش والقاعدة لم يكن نتيجة مراجعة فكرية نقدية، بل براغماتية مبكرة تستجيب لشروط نيل مقبولية عالمية يوماً ما، وقد حلّ ذلك اليوم. المعارضة للشرع ولرفاقه هي السلوك الطبيعي على ضوء رفض هؤلاء نطق كلمة ديمقراطية منذ تسلموا السلطة قبل ثلاثة أشهر، وقد كرّسوا ذلك في بيان من 18 بنداً لـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" صيغت في 582 كلمة لم يرد فيها مصطلح ديمقراطية مرة واحدة ولو كهدف يؤمل أن يحلّ في زمن ما. مؤتمر "حواري" شكلي جمع مئات الأشخاص بضع ساعات واختتم ببيان معدّ سلفاً ولا شيء ملزماً فيه ولا هو مضبوط بسقف زمني، وذلك سبب موجب ثالث للمعارضة. أما عدم اتّعاظ المسؤولين السوريين الجدد من تجارب التاريخ وحلّهم الجيش والشرطة وتسريح الموظفين جماعياً، فتلك مصيبة رابعة تجعل المعارضة السلوك البديهي في حضرتهم. كيف لا يُنتقد بحدّة من يتمسك بالمقاتلين الأجانب في صفوفه ويعين منهم وزراء وقادة في الجيش، بينما كانت إحدى مشكلاته مع نظام الأسد أنه أتى بأجانب ليحاربوا إلى جانبه؟ كيف لا يُعارضه سوريون من مكونات طائفية وإثنية يعتبرها كثر من رفاق الشرع مهرطقة وخوارج وكافرة أتباعها أنصاف سوريين بأحسن الأحوال؟ كيف لا يعارَض من لا حساسية خاصة عنده تجاه الحريات الفردية والثقافة والفنون وإنصاف المرأة ويخبرنا شيوخ من هيئة تحرير الشام أن الحرية الحقيقية هي حرّية التعبد لله؟ كيف يتبخّر الحس النقدي عند مؤيدين لا يلاحظون أن الفترة الانتقالية لا تبدو فعلاً كأنها انتقالية، بدءاً من صفة أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية حسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، لا رئيساً للمرحلة الانتقالية؟

ربما أمكن تخفيض سقف توقعاتنا لسورية في المدى المنظور. سيكون إنجازاً لو تحقق استقرار أمني وتحسنت الأحوال المعيشية وتم اتقاء شرّ التقسيم الإسرائيلي، وخروج القوات الأجنبية من هذا البلد، وبناء تدريجي لمؤسساته وإبقاء منسوب القمع منخفضاً بلا تعذيب ولا إخفاء قسري ولا معتقلات سرية، وتقسيم عادل للثروات، وإبرام ربط نزاع مع ممثلي القوميين الأكراد إلى حين نضوج حلّ عادل لتلك المسألة. أما الديمقراطية فشأن آخر، مشروعها مؤجّل في سورية.