عندما طرحت آن ماري ترامب سؤالها

19 فبراير 2025

ترامب مع والدته آن ماري (من دون تاريخ Getty)

+ الخط -

صدق من قال إنّ الصراحة تكون أحياناً ضارّة، في الشأن العام، وإن الصواب السياسي واللياقة ليسا دائماً نفاقاً بل ضرورة لتنظيم حياة البشر بأقل قدر من العنف والمواجهة، وبأوسع مجال من التوافقات والتنازلات المتبادلة. وأصاب من كتم رأيه تعبيراً عن خجل من موقفه وإدراكاً منه أنه جارح ومهين أو يشكل انقساماً خطيراً. لكن فضيلة الخجل يستحيل أن يتمتع بها عنصري قليل التهذيب وفاسد وغبي وأمّي ومهووس بالمال وكاذب وعديم الإحساس والإنسانية ونرجسي وفخور بنزعته الاستعلائية وبنيّته سرقة بلدان والاستيلاء على أراضي الغير وثرواتهم وتدمير الكوكب بإنكاره المخاطر الصحية أو البيئية التي يستحيل التصدي لها من دون جهد عالمي موحّد. وإن كانت جميع تلك المواصفات تلبس دونالد ترامب ويلبسها، فالكارثة أنّ الرئيس الأميركي يسعد بهذه التهم بـ"صراحة" تنمّ على الأرجح، قبل أي عامل آخر، عن نقص تربية في المنزل والمدرسة. وبالحديث عن التربية وعن المنزل العائلي، ليت جماعة السوشال ميديا تتوقف عن التداول بتصريح مختلَق لوالدة ترامب المتوفاة عام 2000، آن ماري ماكلويد (ترامب)، والتي يُنسب لها زوراً قولها عن ابنها يوماً إنه "غبي مجرّد من أي مهارات اجتماعية وآمل ألا ينخرط يوماً في السياسة لأنه سيكون كارثة". ولأنّ كل اختلاق وكذب يضرّان بالقضية المراد الدفاع عنها، فإن تداول هذا التصريح الكاذب، مثلما أثبتت وكالة رويترز، يؤذي مقصد الباحثين عن علّة في إنسانية دونالد ترامب وتركيبته الأخلاقية القيمية. وبدل تصديق كل ما يظهر في السوشال ميديا، وكثير منه كاذب، يكفي اقتباس خمس كلمات قالتها السيدة آن ماري ماكلويد بالفعل في ثمانينيات القرن الماضي (نشرتها مجلة فانيتي فير وقتها) عن ابنها بصيغة تساؤل طرحته على نفسها أمام زوجته الأولى إيفانا، والترجمة الحرفية لتساؤلها: أي نوع من الأبناء خلقتُ؟

علماء النفس مدعوّون لاقتراح أجوبتهم لسؤال السيدة الراحلة عن 88 عاماً، وقد سرّعت محاولة سرقة تعرضت لها عام 1999 في وفاتها، هي المهاجرة الاسكتلندية إلى الولايات المتحدة، وزوجها مهاجر ألماني. علماء النفس مدعوّون لقول الكثير عن ظاهرة ترامب المرضية، كذلك عن أساتذة الرجل الروحيين (فيكتور أوربان ونايجل فراج وناريندرا مودي وستيف بانون) وتلامذته الأوفياء (خافيير ميلي وجايير بولسونارو وجورجيا ميلوني وغيرهم من يمينيين متطرفين وشعبويين). وعلماء النفس إياهم مقصّرون في هذا الشأن، وتكسر ذلك التقصير ماري ترامب، ابنة أخي الرئيس، وهي طبيبة نفسية، عرّت خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية جوانب كثيرة من الحالة الذهنية للمرشح الجمهوري آنذاك، ودانت الصحافة الأميركية على حصر تركيزها بالحالة الصحية والعقلية للرئيس وقتذاك جو بايدن، وعدم الإضاءة على ما تسميه خرف ترامب وجنونه. على سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول الماضي، أي في عز الحملة الانتخابية بينه وبين كامالا هاريس، سُئل ترامب عما ينوي فعله بشأن العناية الصحية للأطفال، فأجاب بما لم ينطق بمثله بايدن من عدم ترابط وهذيان: "حسناً، سأفعل هذا ونحن جالسون الآن، وكنت شخصاً، وكان لدينا السيناتور ماركو روبيو وابنتي إيفانكا تركت أثراً على هذا الموضوع. هذا موضوع مهم جداً ولكنني أعتقد أننا عندما نتحدث عن هذا النوع من الأرقام، فإنني أتحدث عنه بسبب، انظر: رعاية الأطفال هي رعاية الأطفال وهناك شيء يجب أن يكون لديك في هذا البلد وهو لدينا".

هذه شهادة الطبيبة النفسية ماري ترامب عن الحالة النفسية العقلية لحاكم العالم. أما عن مسؤولية التربية والعائلة في نشوء هذا الوحش، فقد تركت لنا الدكتورة نفسها، ماري ترامب، كتاباً منتصف عام 2000 يجيب في صفحاته الـ240 عن الكثير من الأسئلة (لم يظهر تكذيب جدّي لروايتها)، عنوانه "كثير جداً ولا يكفي أبداً: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم؟".

كم تستفيد جماعة السوشال ميديا وتفيد لو توفّر جهدها في اقتباس "أي حاجة"، وبدلاً من ذلك تقرأ الكتاب المذكور أعلاه.