عندما تُستقبل "حماس" في المغرب بحماس

عندما تُستقبل "حماس" في المغرب بحماس

28 يونيو 2021

العثماني مستقبلا وفد حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية في الرباط (17/6/2021/الأناضول)

+ الخط -

زار وفد من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المغرب برئاسة رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، بدعوة من حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الذي وقع رئيسه، سعد الدين العثماني، بصفته رئيساً للحكومة المغربية، اتفاقية إقامة العلاقات الكاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. كلّ المؤشرات وبرنامج الزيارة يعطيانها طابعاً رسمياً أكثر من اعتبارها زيارة حزبية ومجاملة بين حزبين يشتركان في الانتساب الإيديولوجي إلى ما يسمى حركات الإسلام السياسي.
حفاوة الاستقبال من المطار إلى مكان اللقاء الأول الذي جمع الوفد مع قيادات الحزب الحاكم، حيث شوهد العثماني فرحاً منتشياً، كأنّه يريد أن يمحو خطيئة توقيع اتفاقية التطبيع، ثم في أثناء مختلف اللقاءات مع رئيسي مجلس النواب والمستشارين، ومع قيادات حزبية سياسية، أضفت (الحفاوة) على الزيارة طابعاً خاصاً ومغزى مهماً، وأعطت إشارات واضحة لمن يهمهم الأمر، ابتداء من الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الغربي، مروراً بالجزائر، الجار الشرقي الذي لطالما صنف نفسه مع جبهة الصمود والتصدي العربية المندثرة، ثم إلى إسرائيل التي تلقّى رئيس وزرائها الجديد، نفتالي بينت، تهنئة من ملك المغرب، محمد السادس، في وقت يحتفي بلده بحركةٍ يعتبرها الكيان الصهيوني والغرب، بل وحكومات عربية، إرهابية.

المغرب يتعامل في الملف الفلسطيني بواقعية سياسية مبنية على استراتيجيةٍ تقوم على الدفاع عن الحق الفلسطيني، ورفض تهويد القدس، والتمسّك بحلّ الدولتين

تجاوزت الزيارة الجانب الرمزي في الشكل وفي المضمون، وقد تجلى هذا في قرار الملك محمد السادس إقامة مأدبة عشاء على شرف وفد "حماس" في قصر الضيافة المخصص عادة لضيوف المغرب الكبار، وغطتها القنوات التلفزيونية المغربية، موردة تصريح إسماعيل هنية عن "العلاقة التاريخية" بين المغرب وفلسطين، ووصفها بأنّها غير طارئة ولا آنية ولا مصلحية، بل هي شرعية ودينية وإنسانية ووطنية وأخوية، على حد قوله. وقد التقى هنية أيضاً، حسب مصادر إخبارية، وزير الخارجة المغربي، ناصر بوريطة، ومدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات (الاستخبارات الخارجية المغربية)، ياسين المنصوري. وعليه، يمكن للمرء أن يقول إنّ المغرب يتعامل في الملف الفلسطيني بواقعية سياسية مبنية على استراتيجيةٍ تقوم على الدفاع عن الحق الفلسطيني، ورفض تهويد القدس، والتمسّك بحلّ الدولتين، مع إقامة علاقات مع إسرائيل، تجعل منه وسيطاً محتملاً، وتسمح له بلعب هذه الورقة مع الإدارة الأميركية الجديدة التي ليست في حماس إدارة ترامب، لا من حيث دفاعها عن الكيان الصهيوني، ولا من حيث اعترافها بمغربية الصحراء، ما جعل علاقات الرباط بدولٍ غربيةٍ كثيرة على المحك، إذ كانت تأمل أن تتبع الخطوة الأميركية خطوات مماثلة من عواصم غربية، تُعجّل بحلّ نزاع الصحراء الذي طال أمده، بيد أنّ العكس هو ما حصل، فقد التزمت باريس الصمت، ووجدت الرباط نفسها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع ألمانيا، ثم مع إسبانيا، في أزمة عميقة، بعدما ظهر للعيان انحياز مدريد ونفاقها السياسي، وعملت على إصدار قرار من البرلمان الأوروبي ضد المغرب، دفع به إلى مزيد من التصعيد عبر استبعاد الموانئ الإسبانية من عملية العبور الصيفية التي تسمح بعودة حوالي 3.5 ملايين مغربي إلى بلدهم عبر التراب الإسباني.

رخّص المغرب بتنظيم أكبر التظاهرات المندّدة بالاعتداء الهمجي على غزة، مع تغطية إعلامية رسمية وشعبية

حققت الدبلوماسية المغربية تحولاً كبيراً في الآونة الأخيرة، إذ أصبحت أكثر هجومية وأكثر جرأة، برجاء حلحلة المواقف المتذبذبة من قضية الصحراء المغربية، والدفع بالحلّ السياسي إلى الأمام، وبرغبة في إعادة إبراز دور المغرب فاعلاً إقليمياً ودولياً لا يكتفي بإعطاء المعلومات الاستخبارية القيمة للغرب في مواجهة الإرهاب، ولا يرضى بلعب دور الشرطي الحامي للحدود البحرية للقارة العجوز، من دون أن يتلقى أيّ ردّ ملموس على مجهوداته. هي حركية متميزة للدبلوماسية المغربية لوحظت في الملف الليبي، وفي الأزمة الخليجية، وأخيراً خلال العدوان الصهيوني على غزّة، حيث لم يكتفِ المغرب بإرسال المساعدات الإنسانية إلى فلسطين، بل رخّص بتنظيم أكبر التظاهرات المندّدة بالاعتداء الهمجي، مع تغطية إعلامية رسمية وشعبية، عبرت عن نبض الشارع المغربي ومساندته القضية الفلسطينية، أضف إلى ذلك تصريحات قوية من كبار المسؤولين المغاربة التي ما كانت لتصدر من دون تأشيرة من القصر الملكي.
جاءت زيارة "حماس" إلى المغرب، إذاً، في سياق خاص، اتسم بالتضامن الأوروبي غير المشروط مع إسبانيا، وبتصريحات للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لا تعطي الأمل في تحسين العلاقات أو فتح الحدود بين البلدين الشقيقين، ناهيك عن قبول مقترح الحكم الذاتي، وفي ظروف أظهرت تواطؤ جارَي المغرب الشرقي والشمالي ضد وحدته الترابية ومصالحه الإقليمية، الأمر الذي عيل صبر الرباط معه. وعليه، ولمواجهة هذه التحديات، يمكن القول إن المغرب نفسَه بحاجة لمن يبرز دوريه الإقليمي والدولي، ولمن يذكّر بعمقه العربي والإسلامي، وارتباطه التاريخي بقضايا الأمة، ويشهد بذلك أمام الملأ، وهي الشهادة التي لم تتوانَ قيادة "حماس" في تقديمها، وتحمل رسالة قوية مفادها بأنّه مهما طال الزمن أو قصر لا بدّ للحق أن ينتصر.

69325256-4F5A-4368-9A3B-FD48F176325F
69325256-4F5A-4368-9A3B-FD48F176325F
عمر المرابط
باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
عمر المرابط