عندما توافق "حماس" على مقترح ويتكوف
وافقت حركة حماس على عرض المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزّة، إطلاق سراح عشرة من المحتجزين على دفعتَين، وجثامين، مقابل هدنة 60 يوماً، وانسحاب الجيش الإسرائيلي وفق اتفاق يناير المنصرم، وإدخال المساعدات، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. هذه المرحلة الانتقالية ستعقبها مفاوضات جادّة تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار بضمانات أميركية.
قبول "حماس" مقترح ويتكوف تحّولٌ دالٌّ في موقفها، في ظلّ حالة الدمار الهائل التي بات عليها القطاع بعد أكثر من سنة ونصف السنة من الإبادة والتطهير العرقي والتجويع والتشريد بحقّ الشعب الفلسطيني، أمام خذلان القوى الإقليمية والدولية وتواطؤها. وبالتالي، ينبغي البحث عن مسارات تفاوضية بديلة، حتى لو تضمّنت تنازلاتٍ سياسيةً مؤلمةً من الحركة، توقف مقتلة غزّة، فليس هناك أحسن ممّا كان في ظلّ حالة التخلّي المرعبة إقليمياً ودولياً عن الشعب الفلسطيني. كذلك قد يكون قبول الحركة بالمقترح محاولةً لسحب البساط من تحت أقدام دولة الاحتلال ورمي الكرة في ملعبها، ولعلّ هذا ما يفسّر الغموض الذي يخيّم على الموقف الإسرائيلي إلى غاية كتابة هذه السطور.
اللافت في المقترح أنه يتضمّن إقراراًَ أميركياً بأن يكون الوقف الدائم لإطلاق النار على طاولة المفاوضات، بعد تنفيذ بنود المرحلة الانتقالية، ما يعود (على الأرجح) إلى وجود شعور متنامٍ داخل الإدارة الأميركية بأن استمرار الحرب في غزّة بات ضرباً من العبث، في ظلّ افتقاد حكومة نتنياهو خريطةَ طريق واضحة للعمليات العسكرية، من دون أن يعني ذلك بالطبع مسّاً بالتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال. كلّ ما هناك أن تحوّلَ الحرب إلى وصلة تطهير عرقي يومية، يتابع فصولَها التراجيدية ملايينُ المشاهدين في العالم، بات أمراً غير محتمل، حتى في العواصم الغربية الأكثر تأييداً للسياسات الإسرائيلية.
من هنا، سيكون القرار (في حال اتخاذه) ثمرةَ بيئةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ أضحت أكثر نضجاً لإنجازه. فإسرائيلياً، نجح ائتلاف عائلات المحتجزين في تعبئة الشارع من أجل توسيع حزام الضغوط على حكومة نتنياهو، بغاية إجبارها على إبرام صفقة شاملة تعيد المحتجزين وتوقف الحرب. بالتوازي مع ذلك، هناك ضغط أميركي على هذه الحكومة لوقف الحرب بعدما أخفقت في استعادة المحتجزين بالقوة. كما أن لدى ترامب رؤية للإقليم، وهي محكومة بحسابات تجارية واقتصادية بحتة، إضافة إلى الحراك الأوروبي، الرسمي والشعبي، ضدَ استمرار الحرب في غزّة. وقد كان لافتاً في هذا الصدد ما صرّح به وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، حين دعا إلى فرض عقوبات دولية على دولة الاحتلال لإجبارها على وقف عدوانها على غزّة. وهناك أيضاً تبدّلٌ بادٍ في موقف ألمانيا، إذ وجّه مستشارُها فريدريش ميرز (الثلاثاء الماضي)، توبيخاً شديداً لإسرائيل، منتقداً قصفها اليومي المكثّف على غزّة، الذي "لم يعد منطقياً" حسب تعبيره. وهو ما يزيد من تقليص هامش المناورة أمام حكومة نتنياهو.
في المجمل، تبدو هذه الحكومة في موقفٍ لا تحسد عليه، فشراسة اليمين الديني الصهيوني المتطرّف داخل إسرائيل تزداد حدّةً، واقتحام مستوطنين متطرّفين باحات المسجد الأقصى (الاثنين الماضي)، في الذكرى 58 لاحتلال الشطر الشرقي من القدس، بمشاركة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وقيادات أخرى من اليمين الديني المتطرّف، ينطوي على رسالة سياسية لا تخلو من دلالة لنتنياهو، مفادها أن أيّ صفقة مع "حماس" بشأن المحتجزين ينبغي أن ترتهن لحسابات هذا اليمين ورؤيته للصراع، التي تنبني على مواصلة الحرب وتفعيل مخطّط تهجير سكّان قطاع غزّة واحتلاله.
يُضاف إلى ذلك أن هذه الحكومة لا تتخوّف من فرض صفقة لا تُرضي مكوّناتها من اليمين المتطرّف فقط، بل أيضاً من فقدانها ورقة احتكار المفاوضات بشأن حرب غزّة. فهذا الاحتكار يمثّل نقطةَ قوةٍ استراتيجية، تسعى دولة الاحتلال إلى الحفاظ عليها بعد الانتكاسة التي مني بها محور المقاومة في الإقليم.