عندما تقصف إيران أربيل

عندما تقصف إيران أربيل

18 مارس 2022

آثار قصف إيراني على أربيل في كردستان العراق (13/3/2022/ فرانس برس)

+ الخط -

وصف كتّاب ومحللون قصف إيران عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، بـ12 صاروخاً باليستياً، بالسابقة الخطيرة. وعلى الرغم من عنصر المباغتة الذي اعتمدته طهران في هذه العملية، إلا أن الأمر بالنسبة لسلوكها الممتد منذ عام 2003 وإلى مستقبل غير منظور ربما، هو سلوك بُني على التحرّك داخل الأراضي العراقية، سواء بقوات عسكرية يمثلها الحرس الثوري، أو بضربات بالمدفعية والصواريخ، أو من خلال العمليات الخاصة والنوعية التي استهدفت شخصيات معارضة كثيرة لتدخّلها في الشأن العراقي الداخلي، وسعيها إلى الهيمنة على مقدّرات هذا البلد، إضافة إلى منهجيتها في إحداث التغيير الديمغرافي المطلوب وفق سقوفٍ زمنية محدّدة، وكل هذه التدخلات والتجاوزات كانت الحكومات العراقية تتفهمها وتجيرها لصالح عناوين واهية، ولا تمت للحقائق على الأرض بصلة.

لم تكن القنصلية الأميركية هي الهدف، كما أعلنت طهران، وإنْ كان فهو أيضاً مصيبةٌ كبرى؛ لأنها، بهذا الإعلان، تعترف بخرقها ميثاق الأمم المتحدّة الذي ينص على حماية البعثات الدبلوماسية والقنصلية دولياً، والذي (الميثاق) يلزم الدول المستضيفة هذه البعثات بحمايتها وتوفير الأمان لموظفيها.

الهدف الذي أصرّت على أن تبرزه قيادة الحرس الثوري الإيراني في أربيل كان أيضاً مقرّات للموساد الإسرائيلي، تجنّد عناصره الجواسيس، لغرض الحصول على معلوماتٍ تخصّ أنشطة إيران النووية أو سواها، ولأن إسرائيل قتلت عناصر قيادية من الحرس الثوري الإيراني شمال دمشق في غارة جوية قبل أيام، فإن من حق إيران (كما ترى هي) استهداف إسرائيل في أي مكان، رداً واقتصاصاً.

الهدف الذي أصرّت على أن تبرزه قيادة الحرس الثوري الإيراني في قصفها أربيل، كان استهداف مقرّات للموساد الإسرائيلي

هذه عملية من بين مئات عمليات قامت بها إيران داخل العراق وعلى حدوده. وما يهم هنا هو دور الحكومة العراقية؛ بمعنى أنه إن كانت هناك مقرّات للمخابرات الإسرائيلية (الموساد) في وسط أربيل والحكومة المركزية لا تعلم، فهذه مصيبة، وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم، فوجود جهاز معادٍ كالمخابرات الإسرائيلية في مقرّات داخل أحياء مدنية يعني سهولة كشفه والتعرّف على نشاطاته من خلال أجهزة الداخلية العراقية، وأيضاً جهاز المخابرات العراقي. وعدم المعرفة هنا تعني إغماض العيون، وفتحها فقط على أهداف لا أحد يستطيع التأكد من صحة ادّعاء استهدافها في صحراء العراق الغربية على أنها أهداف لتنظيم "داعش" الإرهابي. أما المعرفة وعدم التصرّف فهي أيضاً تعني إما الشراكة مع الإقليم في هذه الاستضافة أو العجز عن الإعلان ثم المواجهة في ظل تصاعد حالة الضعف والفشل في الأداء الحكومي العام، واستمرار الفساد بين أحزاب الدولة وأجهزتها.

وفي وقتٍ أعلنت طهران إطلاقها 12 صاروخا باليستيا ضد أهداف في داخل مدينة أربيل، أصر رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على تكرار مقولته "سنفتح تحقيقا في الموضوع ونحدّد مسؤولية الطرف الذي قام بالقصف"، وكان الأجدر به القول: "كان على إيران تبادل المعلومات معنا قبل تنفيذ أي عدوان على أرض العراق وشعبه"، لكن النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، حاكم الزاملي، الذي ترأس لجنةً لتقصي الحقائق شكلها رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، كشف خلال زيارته أربيل الأربعاء الماضي عن موقف العراق، في حال ثبت وجود مقرّات للاحتلال الإسرائيلي في أربيل. وبحسبه، جمعت اللجنة النيابية بيانات وزارت الموقع الذي استهدفته الصواريخ الإيرانية، وأكد أنه بيوتٌ أصحابُها أكراد معروفون في المحافظة، ما دفعه إلى التصريح بأن "انتهاك سيادة العراق غير مسموح به، ولدينا بيانات ومواثيق وعهود مع ايران وبقية الدول، كذلك هنالك تحالف رباعي يضم العراق وسورية وروسيا وايران الذي هدفه تبادل المعلومات. ولهذا فإن أي عمل إجرائي لا يتم إلا عن طريق هذا التحالف ومن خلال تبادل المعلومات". وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إن بلاده حذرت السلطات العراقية مرارا من أنه لا ينبغي أن تستخدم أراضي العراق أطراف ثالثة لشن هجمات ضد إيران.

عمل إيراني من أعمال العدوان، قابله موقف حكومي عراقي هزيل، وتذبذب أميركي

الغريب ما قاله الزاملي أيضاً "طالبنا باستضافة وزير داخلية كردستان، وأن يجلب تقريرا خاصا، باعتباره المسؤول عن الأمن هناك. كذلك استضافة سفير إيران في العراق وإجراء اطلاع ميداني أكثر". ولا أعلم حقيقةً كيف تجري استضافة سفير لدولة أجنبية (إيران) إلى مجلس نواب عراقي في سابقةٍ لم تحدث في أي بلد، فيما المفترض أن تستدعي وزارة الخارجية العراقية هذا السفير، وتسلمه رسالة احتجاج رسمية. وكان حاكم الزاملي واقعياً ومباشراً حين قال "أمّا القول بوجود مقرّاتٍ للموساد الإسرائيلي، فبقدر ما يكون هذا الوجود مرفوضاً من معظم العراقيين، إلاّ أنّ ذلك لا يُعطي لإيران أيّ حقٍّ باستهدافه، وإلاّ لكان من حقّ كثير من الدول قصف مدنٍ إيرانية بذريعة وجود أعداءٍ لتلك الدول فيها".

نحن أمام عمل من أعمال العدوان، قابله موقف حكومي عراقي هزيل، وتذبذب أميركي نأت من خلاله إدارة الرئيس جو بايدن بنفسها عن الدخول في سجالات، وربما تصعيد في الشرق الأوسط مع إيران، في حين وضعت جل اهتماماتها بالحرب الروسية على أوكرانيا وتوترات حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وتعاملت إسرائيل باستخفاف، وكذلك فعلت كل الدول، فيما تركت إدارة إقليم كردستان العراق تواجه الموقف الذي يضعها أمام قوة إيران وغطرستها وتمكّنها من لعب كل أوراقها لتعبث بأربيل تحديداً من دون أدنى حساب لحكومة المركز أو المواقف الإقليمية والدولية.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن