عميل إمبريالي ماسوني

28 يناير 2025
+ الخط -

من سنوات والجيوش الإلكترونية للمليشيات، وأولئك الذين يندرجون في خطابها غفلةً أو جهلاً، يهاجمون كلّ عراقي شيعي يخالفهم الرأي بأبشع التهم، وأنه دونيٌّ أو "شيعي كاره لذاته"، أو يوالي البعث العراقي البائد، وإن لم تنسجم أيٌّ من هذه التهم معه، فهو ببساطة عميل أميركي.
تنفق هذه المجموعة، التي لا تحظى بجمهور واسع في الواقع الاجتماعي الشيعي، أموالاً طائلةً لإغراق مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بمنشوراتها الدعائية، وتلك التي تحرّض على منتقديها، وتخلق واقعاً افتراضياً مزيّفاً، يوحي بأنهم أكثرية، أو أن لديهم جمهوراً واسعاً. هذا الجمهور المفترض الذي لم يسعفهم أصلاً في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ولم يحصلوا سوى على 17 مقعداً، أي حوالي 5% من مقاعد البرلمان العراقي.
تريد هذه النسبة (5%) السيطرة على الصورة الكليّة للشيعة في العراق، والتمظهرات الثقافية والاجتماعية والسياسية لمجتمع متنوّع وكبير، من المستحيل أن يتوحّد في رأي واحد، في الأوضاع الطبيعية للمجتمع. نسبة كبيرة من هؤلاء الشيعة، ربّما أكبر من الذين صوّتوا في الانتخابات، قاطعوا كلّ هذه الأحزاب ولم يذهبوا إلى التصويت لأسباب مختلفة، بعضها يتعلّق بانعدام البديل من الطبقة السياسية الحالية، الفاسدة والمتّهمة بجرائمَ لا حصر لها.
ليس هؤلاء عملاء لأميركا، ولا بعثيين، ولا "شيعة كارهين لذواتهم"، وإنما الجمهور الأكبر المحروم من التعبير عن ذاته الفعلية، التي لا تريد الاندراج ضمن الوصف الذي تقدّمه سردية الأحزاب الشيعية، فأن يكون الإنسان شيعياً أو سنيّاً ليس هو المحدّد الوحيد للهوية الاجتماعية. كما أن المزاج أو الرأي السياسي لا ينحصر بالضرورة بمرجعيات الإنسان الطائفية. هناك أسباب طبقية اقتصادية، وتيّارات فكرية معاصرة، وأهداف واقعية متعلّقة بالتحدّيات الفعلية في أرض الواقع، ربّما أكثر حسماً في رأي وتوجّه المواطن العراقي، من مُجرَّد التشابه الطائفي بينه وبين شخص ما غير عراقي.
الصمت بسبب الخوف على الحياة لا يعني تأييد الخطاب المهيمن الذي تغذّيه الأحزاب الإسلامية ومليشياتها كلّ يوم، وقد يحدث أن يخرق هذه الحدود شخصٌ جريء وشجاع، مثل عضو مجلس محافظة الديوانية طارق البرقعاوي، الذي تحدّث خلال الأسبوع الماضي أمام وسائل الإعلام متّهماً المحافظ بإحالته على عقد بناء لمليشيا معروفة بمبلغ 320 مليار دينار عراقي خارج الضوابط القانونية، في الوقت الذي تتحدّث فيه الحكومة عن تفاهمات ستقود الى حلّ المليشيات في العراق.
كذلك ما يفعله نائب شجاع في البرلمان العراقي، مثل المحامي سجّاد سالم، الذي يتحدّث بصراحة، ويصف الأمور بأوصافها الصحيحة. وهذان ليسا سوى مثلين عن مزاج يمور تحت السطح، وهما من قلْب المجتمع الشيعي العراقي، وسلطتهما آتية من أصوات حصلوا عليها من مواطنين شيعة، ولا شكّ أنهما يعبّران عن مشاغل ناخبيهما، وعن أسئلة ولواعج تتحرّك في الشارع الشيعي، ربّما أكثر حدّة واتساعاً وانزعاجاً من النبرة المؤدّبة والدبلوماسية التي يتحدّث بها هذان الرجلان.
خاضت شخصيات شيعية عديدة، عبر تاريخ الدولة العراقية الحديثة، غمار العمل السياسي والمجتمعي، وربّما يكون الوعي المذهبي حاضراً في أذهانهم، كما لدى غيرهم، ولكنّهم لم يتصّرفوا بوحي من سردية متعالية مغلقة عن الوجود الاجتماعي الشيعي، وإنّما من وحي التيّارات الأيديولوجية الحديثة التي تبنّوها، والأهداف الواقعية التي يريدون تحقيقها لجمهورهم.
إن هذه السردية الشيعية المغلقة التي تروّجها المليشيات ملفّقة وفيها مبالغات وتزييف، وترسم حدوداً عاليةً صلبةً بين الشيعي المفترض، وغيره من المخالفين معه في المذهب، كما هو الحال في سردية الانتصار على "داعش"، إذ يجرى بشكل معتاد تجاهل الدور الأميركي الحاسم في هذا النصر، وأن التحالف الدولي الذي قادته أميركا نفّذ 34 ألف طلعة جوّية خلال حرب التحرير.
إن كنت شيعياً في العراق، وردّدت هذه المعلومات، فأنت "شيعي كاره لذاتك"، عميل إمبريالي ماسوني أميركي.