عشيرة دود الخلّ

عشيرة دود الخلّ

09 نوفمبر 2021
+ الخط -

لم تكن الحروب على مرّ العصور سوى غزواتٍ هدفها، إضافة إلى التوسع، جمع وتخزين المزيد من الثروات التي تجعل الدول الغازية تتمتع بالثراء فترات طويلة، تماما كما نرى الآن دولا ثرية كثيرة لا تملك ثروات، ولم تكن تملك هذه الثروات التي تجعلها في مصافّ الدول الغنية، ولكنها سفكت كثيرا من دماء جنودها، عدا عن دماء خصومها، للحصول على تلك الثروات. ولأن كل شيء لا ينبع ينضب، استمرّت هذه الغزوات، واستمر سفك الدماء للحفاظ على الثروات في أحسن حال ومضاعفتها، غير أن الحروب، مهما كان الغازي فيها قويا وانتصاراته مضمونة، تظل مصدر إزعاج ومصدر هدر لقسم كبير من هذه الثروات. ولذلك كان لا بد من التفكير بطريقة جديدة للحصول على جزء غير قليل منها، من دون غزوات ومن دون سفك دماء، وليس أصلح لهذه المهمة من "دود الخلّ" الذي يملأ البلدان المرشّحة لنهب ثرواتها. وبهذا الشكل، توفر الدول القوية الغازية مصاريف الغزو وتحقن دماء جنودها، وتحتفظ بصورة أخلاقية أمام الرأي العام، وإن كانت مزيفة، فما الذي يفعله دود الخلّ فيما يخص هذه الثروات؟
أولا، على دود الخلّ أن يصل إلى كرسي السلطة ويسيطر على كل السلطات فتصبح مهمة السلطة التشريعية شرعنة دوديته، والقضائية قوننتها، وقس على ذلك. وبطبيعة الحال، يوفر لنفسه سلطة دينية منافقة لا تختلف عنه دوديةً. ولكي لا يفكر أي من هذه السلطات بالانتفاض لكرامته، يضمّها إلى قبيلة دود الخل التي ينتمي إليها. بعد ذلك تصبح بوابة نهب ثروات البلد التي تمكّن دود الخلّ من خناقها مفتوحةً على مصراعيها، وكلٌّ ينهش، بحسب مركزه في العشيرة الدودية. وكلما كبرت الدودة نخرت في المكان الأثرى الذي يمكن أن يكون الثروات الباطنية للبلد، والتي، في أحيانٍ كثيرة، لا يعلم شعب هذا البلد بها. ويتم هذا النهب عادة بالاتفاق مع شركات البلدان الغنية التي تحصل على هذه الثروات على شكل تسريب عن طريق صفقاتٍ سرّية لا تملك صفة رسمية، حيث يمكن لميزانية الدولة ألا تعلم بمردود هذه الثروات نهائيا. وهكذا يتقاسم دود الخلّ عوائد هذه الثروات مع شركات ومؤسسات الدول الغنية التي غالبا ما تعزّز ميزانيات هذه الدول، بعكس ميزانيات الدول البائسة التي تخسرها تماما.
يحصل دود الخلّ على عوائد خيالية من هذه الصفقات وغيرها، فهو، إضافة إلى الثروات الباطنية، يسيطر على معظم قطاع الاستيراد والتصدير. والأنكى أن الاستيراد والتصدير يأخذ، في أحيان كثيرة، شكل التهريب، فلا تحصل ميزانية الدولة على أي فائدة منها، لا بل تخسر الكثير بسببها. قلنا إن دود الخلّ يحصل على عوائد هائلة من هذه الثروات والصفقات. ولكن هل تنتهي علاقة الدول الغازية بهذه الثروات؟ بالطبع لا، فهذه الثروات أشبه بدجاجة اصطادها ابن آوى، فوضعها أمانة في فم الضبع. فجميع العوائد المالية التي يخزنها دود الخل ويضاعفها تكون في البنوك التي تملكها تلك الدول الثرية الغازية التي تعود وتستولي عليها لأسباب كثيرة، منها موت دود الخلّ المودع الذي يكون قد سرق هذه الثروات من قوت شعبه، لترثها حكومات تلك الدول التي تملك تلك البنوك. ولا يستبعد أن يكون هذا الموت قد تم ترتيبه خصيصا من أجل الحصول على تلك الورثة. وإذا لم تمت الدودة المودعة، تتم محاكمتها لسبب ما، والأسباب لذلك كثيرة جدا، التهرّب الضريبي مثلا. ويتم مصادرة أملاك هذه الدودة وثرواتها، وغير ذلك الكثير من الطرق، لمتابعة الاستيلاء على ثروات الشعوب البائسة، بعد أن سُمح لدودة الخلّ أن تتمتع بها قليلا. أما دودة الخلّ فتكون عادة بمرتبة عليا، رئيس على سبيل المثال، أو أحد ما من الأقارب مرتبط بها. وربما تكون وزيرا أو موظفا بارزا. بشكل أدقّ، يمكن القول إن تلك البلدان تحكمها طبقة يمكن أن نسميها "حزب دود الخل" الذي لا يمكن للبلد التي يحكمها ألا تكون جمهورية منخورة.

ممدوح حمادة
ممدوح حمادة
كاتب وسيناريست ورسام كاريكاتير سوري