عبدالله الثاني والخروج من المأزق

عبدالله الثاني والخروج من المأزق

25 ابريل 2021
+ الخط -

أصبح من نافلة القول إن المطلوب في الأردن مصالحة وطنية، يبادر إليها الملك عبدالله الثاني، تبدأ بإطلاق حوار وطني عن إصلاحات سياسية واقتصادية، وحتى دستورية، لبدء الخروج من الأزمة التي تعصف بالأردن منذ سنوات، لكن قضية الأمير حمزة وتفاعلاتها جعلت هذه المصالحة مطلبا ملحّا، وهي أيضا تتطلب الخروج من ورطة اتهامات التآمر التي هزّت ثقة الأردنيين بصدقية مؤسسات الدولة، فتأكيدات الملك عن "وأد الفتنة" ليست كافية، ذلك أن الأسئلة ما تزال مطروحة، والشكوك قائمة، خصوصا مع حظر النشر، المفهوم في سياق عدم جواز نشر محاضر التحقيق، لكن استثناء صحافيين، أبرزهم فهد الخيطان، المقرّب من الديوان الملكي، جعل المسألة برمتها تبدو مسلسلا يتغير كتاب السيناريو فيه يوميا، إلى أن تُفقِد تتابع السردية قيمتها، خصوصا أن الديوان اختار من خلال خيطان، إملاء حدود الإصلاح على الشعب الأردني، كأنه يخبرنا بما هو مسموح وغير مسموح، قبل أن يبدأ حوار حقيقي، هذا إذا فتح حوار كهذا.

هذه بداية سيئة، إذا كان ما يريده الديوان الملكي أو ينويه، من وضع سقوف لمطالب إصلاحية محقة، في وقت ما تزال تداعيات قضية الأمير حمزة مستمرة، ما يستوجب معالجة جدّية وعادلة ومقنعة، خصوصا أن الروايات المتتابعة والمتباينة التي اتهمت الأمير بالضلوع في مؤامرة، وإن كانت اللهجة الرسمية تبدّلت من الإعداد لساعة الصفر (لقلب النظام؟) إلى دلائل خطيرة، لكنها لم تشكل تهديدا للنظام، ولم تكشف بعد طبيعة دور الأمير أو أيٍّ من المتهمين ممن لم يشملهم، الخميس الماضي، قرار الإفراج عنهم. وقد تدخّل الملك عبدالله بالتوجيه بإطلاق سراح 12 من 14 موقوفا "وفقا لإجراءات القانون"، ما ساهم في تنفيس غضب أبناء العشائر العاملين أو المقربين من الأمير حمزة، وقد تحدّ هذه الخطوة من حالة الانقسام بين عشائر الجنوب بين مؤيد للملك ومؤيد للأمير حمزة، نتيجة الاتهامات بتورّط أبنائها. ولافتٌ أن استعمال الملك تعبير "المُغرّر بهم" يُسقط معنويا تهمة التآمر عن المتهمين من أبناء العشائر، وإن كان من غير الواضح ما إذا كان الإفراج وقتيا حتى موعد المحاكمة، لكن وصف الملك لهم هذا يعني أيضا أن لا أدلة تثبت عليهم تهمة التحريض أو التآمر على النظام. ولكن الملك بعث رسالة تحذير إلى العشائر وغير العشائر، خصوصا من مسؤولي الدولة السابقين، الممتعضين من إبعادهم عن دائرة القرار أو المميزات، بعدم الاستقواء عليه بالكلام أو بعلاقات مع أي عضو في العائلة المالكة، وأن لا حديث، ولو همسا، عن رأيهم بولاية العرش التي حسمت لابنه الحسين من دون نقاش أو عودة. وتوجيه تهم خطيرة إلى كل من رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، مفادها التحريض على نظام الحكم، هي أيضا رسائل ليس إلى مسؤولين سابقين يرى القصر أنهم تمادوا في التطاول على الملك، ولكنها أيضا رسالة إلى من وراءهم، طبعا إذا كانت هناك أدلة تثبت أن من وراءهم هما ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، وصهر الرئيس الأميركي السابق ومستشاره، جاريد كوشنير.

ليست هناك أي مؤشرات على إصلاح أو حتى وعود تغيير قوانين جائرة أو تعديلها

 

تعدّدت الروايات المسربة، لكن أكثرها واقعية أن عوض الله وحسن بن زيد انضما إلى ناقدي الملك، بحجّة الأول إبعاده عن الملك، وتذمر الثاني من تهميش عائلته التي قدمت شهداء للأردن، أبرزهم شقيقه النقيب الشريف علي بن زيد الذي سقط في انفجار في معسكر أميركي في أفغانستان عام 2010، لكن رصد أحاديث الرجلين، وعلاقتهما مع الأمير حمزة، ليست كافية لإثبات تهمة التآمر، فعوض الله قريب من العائلة الهاشمية منذ شبابه، بحكم علاقة والده بالملك حسين الذي طلب منه الحضور إلى الأردن بعد تخرّجه من جامعة لندن للاقتصاد، وعمله في شركات استثمارات مالية كبيرة هناك. وإحالة الاثنين إلى محكمة أمن الدولة، غير المعترف بأحكامها دولياً، سوف تبقي الشكوك قائمة، إلا في حال إبراز بينات واضحة وعلنية لا لبس فيها، فإذا تبين تورّطهما مع الأمير حمزة بقضية "الفتنة"، فإدانة عوض الله والشريف حسن تعني إدانة الأمير حمزة نفسه، وهنا يدخل الديوان الملكي في دوامة جديدة.

صحيح أن فئات واسعة من الأردنيين تطالب بمحاكمة عوض الله لدوره في عملية خصخصة الموارد والثروات الاستراتيجية، لكن التحقيق الجنائي بالخصخصة محظور، إذ سيطاول عشرات الشخصيات، خصوصا أن الاتفاقيات مع مؤسسات دولية على حصص بيع مؤسسات تم إقرارها قبل مرحلة وصول عوض الله إلى مركزه المتنفذ قرب الملك عبدالله. وقد يصدّق كثيرون أي شيء عن عوض الله، لكن فئات واسعة سترفض ما يدين الأمير حمزة، وحينها ستكون مطالبات بمحاكمة الأخير، تنفيذا للقانون إذا ثبت تآمره، أي رفض استثناء الأمراء من القانون. والأهم أن الأغلبية لن تصدّق النتائج، نظرا إلى فقدان الدولة المصداقية، وإلى شعبية الأمير حمزة التي ازدادت بعد إبعاده عن الأضواء، فلم يسبق أن جاهر هذا العدد الكبير بتأييد أمير هاشمي غير الملك، وهي ظاهرة قد تتسع في ضوء تصاعد الاستياء الشعبي. ويعيدنا هذا إلى ضرورة تعامل القصر بهدوء، وعلى الأقل تقديمهما لمحاكمة تراعي المعايير القانونية التي تفتقر إليها محكمة أمن الدولة، وأن تعكس التهم حجم الأدلة، فإدانة الأمير الضمنية، إذا توفرت الأدلة، وإذا لم تتوفر، تفرض على القصر أن يتحلى بالشجاعة اللازمة للاعتراف بسوء التقدير. لا نعرف الحقيقة، لكن الشجاعة مطلوبة مهما كانت النتيجة من أجل الأردن ومستقبله.

ما يطلبه الأردنيون ليس بالكثير، لكن الاستهتار بمطالبهم أفقدهم الثقة بالدولة، فكيف يُنتظر منهم قبول رواية التآمر على الحكم؟

في هذه الأثناء، ليست هناك أي مؤشرات على إصلاح أو حتى وعود تغيير قوانين جائرة أو تعديلها، مثل "إطالة اللسان" الذي كاد أن يحرم سيدة أردنية سنة حرية من عمرها، بسبب بند متخلف وجائر لمجرّد قولها في مشادّة مع امرأة أخرى أن والدها بالنسبة لها أهم من الملك، ولم ينقذها إلا تدخل الملك شخصيا، استجابة إلى ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن كم من حراكي وسياسي حوكم وزج في السجن، بسبب قانون عرفي ينتسب إلى القرون الوسطى؟

أولى الخطوات لبناء الثقة تكون بإطلاق سراح الحراكيين المعارضين ووقف محاكماتهم وخرق حقوقهم خلال الاعتقال، وكأن المطالبة بحقوق الأردنيين جريمة أخطر من عقد اتفاقيات اقتصادية مع العدو الإسرائيلي، ومن معاهدة مع الجيش الأميركي تستبيح الأراضي الأردنية وسيادتها... من الطبيعي أن تكون هناك مظاهرات ضد سياسات الإفقار، خصوصا في ظل جائحة ضربت الاقتصاد وحياة الناس. ومن الطبيعي أن تعرف البلاد احتجاجات على تقويض الحريات العامة وحرية الرأي. ما يطلبه الأردنيون ليس كثيرا، لكن الاستهتار بمطالبهم أفقدهم الثقة بالدولة، فكيف يُنتظر منهم قبول رواية التآمر على الحكم؟

حان الوقت لأن يلتفت القصر إلى الشعب الأردني، وإلا لن يكون هناك عاقل يصبر أو حتى يسمع.