طبيبان وجهاز كفتة وحيد

طبيبان وجهاز كفتة وحيد

20 يناير 2022

(محمد شبعة)

+ الخط -

أما الطبيبان فهما: الأديب الموهوب جدا محمد المخزنجي، وخالد منتصر، وكان يتعاطى القصة القصيرة أيضا، قبل أن يدخل إلى وسعاية المقالات السيّارة للشأن السلطوي العام. وأما جهاز الكفته فهو الأثر الوحيد الباقي في الشرق قاطبة، ولا نعرف مكان المخازن التي تحتضن معدنه المقدس النفيس، وتلك حكمة. وبالطبع، الجهاز للواء الراحل عبد العاطي، بعد ما انحنت هامات المختبرات العلمية في الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب، والبحر المتوسط، أمام التقنية العالية للجهاز وقدراته الفائقة التي تعدّت الخيال، وخصوصا أن الخامات التي كان يستعملها طول عمله في معمله هي "20 كيلو ريش وكفته فقط"، ومجموعة من الأسياخ الحديد لزوم الشغل أمام النار.

الأول، وهو دكتور محمد المخزنجي، كنت أعرفه يوم أن خرج جهاز عبد العاطي من شركات الإنتاج المصرية الخالصة بمقدّمته المعدنية، وكنا نرى بوضوح الريش والكفته مصوّرة، وبجوار الجهاز الراحل اللواء عبد العاطي، بمشارطه ومحاليله وموسوعاته العلمية، وصورة ابن سينا خلف ظهره في المختبر، وبجوارها دبابة تحفر مسرعةً في رمال سيناء فجرا، وتقتلع شجر الزيتون.

كان رأي دكتور محمد المخزنجي، في حينها، صادما لي، خصوصا وأنا أعرف قراءاته العلمية الغزيرة التي تفوق قراءاته الأدب أو الفلسفة ورحلاته، فهذا الطبيب والأديب والعالم الحساس الذي درس علم النفس بروسيا لا يشقّ له غبار، وليس من هواة الفرقعات السياسية أبدا، ولا من جلّاس المقاهي أو ممن يبحث عن دور أو مكانة، فالرجل مهذّب ومتحقّق علميا وأدبيا وسلوكا، إلا أن دكتور محمد المخزنجي زاد العجب عندي قيراطين، حينما أقرّ، بناء على دراسته الباراسيكولوجي سنوات في روسيا، أن أمر الجهاز ممكن علميا جدا، وأن يتعافي المريض بعد أن يأخذ سيخي الكباب أو الكفته ليس بالمستغرب أو العجيب. وأردف أن اتساع مجال الباراسيكولوجي ليس دائما في متناول مألوف العلم أو سكونيته، ولكن العلم، وخصوصا الباراسيكولوجي دائما ما يفتح شغفه لأشياء نظنها ساذجة ولكنها تسير في ما بعد منسجمةً مع منظومة العلم بعد ما تصير أليفة، ولماذا لا يحقق جهاز الكفته هذه الغالية المنشودة؟ هكذا تساءل دكتور المخزنجي، فالعالم غريبٌ كما قال، والعلم أيضا طبقاته الصاعدة مستقبلا قد تكون أغرب من الخيال. عند ذلك ضحكت وسكتّ تماما، حتى رحل دكتور عبد العاطي إلى جوار ربه.

أما ما كنتُ لن أصدّقه لو سمعته في حينها، فهو الدكتور خالد منتصر، فالرجل ليس من دراويش الباراسيكولوجي، وامتنع من زمنٍ عن الكتابة والخيال وخيمة القصة وتفرّغ للعقل والتوضيح تحت خيمة الشأن السلطوي العام، من دون أن يفارق السلطة في أي شاردةٍ وواردة، إلا أنني اندهشت حينما عرفت في سيل الهجوم عليه، بسبب "الحبّة الصفراء" التي اتهم فيها خالد منتصر، الطبيب المعالج للراحل المرحوم وائل الإبراشي، كما صرّح للسلطة والصحافة، أنها كانت السبب في موت وائل، على الرغم من أن الراحل يعالج من سنة من كورونا. ولم يقل خالد منتصر موضوع الحبّة الصفراء، إلا بعد موت وائل، وكان يستطيع ذلك في وقتها، وأن يكون الطبيب في السجن حتى قبل موت وائل، فلماذا سكت خالد منتصر على موضوع الحبّة الصفراء، إلى ما بعد دفن وائل؟

هذا عجيب جدا، وهما أصدقاء من سنوات طويلة، وكان وائل دائما يكتب في "روز اليوسف" سنوات، فلماذا سكت حتى دفن وائل طالما يعلم هذه المعلومات الخطيرة، وهو الكاتب الذي يكتب يوميا في صحيفة الوطن، حتى عن "فسيّة الكلب"، أو "بول البعير"، أو عدم الجدوى من فوائد شجرة الصفصاف، إلا للعصافير التي تأكل الغلال، لماذا صبر خالد منتصر حتى دفن وائل؟ هذا سؤال لن يجيب عليه سوى خالد منتصر نفسه، وليس الذين يكرهونه أبدا، وبدأت سهامهم تطاول خالد منتصر، مثل لماذا أعطته البحرين جائزة كبيرة بالدولارات، أو عن كتاباته السلطوية قلبا وقالبا في "الوطن" سنوات ورميها بالسهام هي الأخرى، وأنها تابعة لجهات أمنية ومخابراتية، فدعنا من ذلك كله، فهذه طبيعة المتخاصمين حينما تبدأ العداوات، ولكن المدهش لديّ، كان رمي دكتور خالد منتصر بأنه كان من مروّجي "جهاز الكفتة". هنا انعقد لساني من هول المفاجأة لطبيب يحلل ويدقق ويعرف الفرق بين الخرافة والعلم والمحلول المضاد للفيروس وبول البعير، فهل سقط الرجل في بول بعير الجهاز وكفتته من دون أن يدري؟ لا أعرف.

عموما رحم الله وائل الإبراشي. ومن اليوم سندخل في مسلسل الحبّة الصفراء، وقد نراها في مسلسل رمضاني بقلم خالد منتصر، وعليه أن يساعد المخرج في اختيار البطل بعد موافقة الجهات الأمنية بالطبع.