طالبان .. مجاهدون أم موظفون؟

طالبان .. مجاهدون أم موظفون؟

17 اغسطس 2021

مقاتل في طالبان في حراسة في ساحة شاه مسعود في كابول (16/8/2021/فرانس برس)

+ الخط -

لم يأت الأميركان إلى بلاد الأفغان لاحتلالها، وفق الدلالة الكلاسيكية والمتعارف عليها للاحتلال، إنما جاءت جيوشهم، عقب أحداث "11 سبتمبر" في العام 2011. اخترقت طائرات أسامة بن لادن أبراج الهيمنة، أهانتها، وجاءت أميركا تبحث عن مكانتها، هيبتها، ثأرها، وتضع خصومها في أحجامهم الطبيعية. طلبت تسليم بن لادن، ورفضت "طالبان"، فانتزعه الأميركان، قتلوه، صفّوا جيوبه. تحقّق لهم ما أرادوا، ولم يكن الاستمرار في أفغانستان سوى خطأ، في ظاهره، وملفات فساد متراكمة، كان الاستمرار يحجبها، وربما تشهد الأيام المقبلة مزيدا من الكشف عنها، وتوظيفها في معارك بايدن ضد خصومه.
قرّر الأميركان الرحيل نهايات ولاية ترامب، ودخلت الولايات المتحدة في تفاهمات سياسية مع "طالبان". وفي فبراير/ شباط الماضي، وقّع الطرفان، في الدوحة، اتفاقا. لم يكن الانسحاب مفاجئا، ربما فوجئنا بإخراجه الذي بدا، في ظاهره مرتبكا، وكأنه انتصار حقيقي لحركة طالبان. لم تهتم أميركا بحلفائها في كابول، بعد أن فرغت منهم. يستدعي المشهد سوابق له، أبرزهم حسني مبارك في ثورة يناير في مصر، وموقف الإدارة الأميركية من أحد أهم حلفائها، كنز إسرائيل الاستراتيجي، بتعبيرهم. لفظته إدارة أوباما، لم يعد مفيدا، لم يعد مهما، لن نحصل منه على مزيد، فليأت غيره. لم يكن "القصر" في كابول من شواغل الإدارة الأميركية. كعادتها، انشغلت بما هو أهم، خذ القصر، واهنأ بالسلطة، بالمشهد الدعائي، بالكبرياء الإعلامية، انبسط، ولكن لا تقترب من المطار، إلى أن ننتهي، وكان لها، للمرة الألف ما أرادت.
"طالبان"، في تقديري، فرصة لنا، لا لهم، فرصة لمراقبة تحليلاتنا، انحيازاتنا، حماساتنا، سذاجتنا، وجداننا، مكشوفا، عاريا، من دون أقنعة الخطاب وحيله. جاء صعود "طالبان" وكشف عن كثير، لم نتجاوزه، رغم التجربة، ورغم ادعاءاتنا المتكرّرة بأننا تعلمنا، ما زلنا نخترع انتصاراتٍ وهمية، تطوّرت أدواتنا، من دون وعينا، لم نعد نحتاج إذاعة صوت العرب وصوت مذيعيها الجهوري، لنزعم أننا أسقطنا "تسعين طيارة"، فيما تخترق اسرائيل خطوطنا وتتوغل في سيناء، وتسيطر عليها. نفعلها الآن، وحدنا، من دون إعلام موجه، تدفعنا حاجتنا النفسية إلى البحث عن أي انتصار والسلام، إلى اختراع الفرحة، وتصديقها، والهبش في أي كلبٍ تسوّل له نفسه إفسادها علينا. لم يتوقف الأمر عند "الحتّة الأفغاني" وأنفاسها العطرة، ومزاجها "اللّي زي الفل"، تجاوزها إلى تحليلاتٍ تستهدف السياسة، تجاوزنا إعادة تدوير نفايات خطابات الأحزاب الناصرية والبعثية، في القرن الماضي، إلى خطابات عبد الفتاح السيسي، في احتقار السياسة، ومن ورائها الديمقراطية.
لم أدهش من تغريدات نشطاء إسلاميين، لم يحرمونا يوما من بؤسهم السياسي والأيديولوجي. كانت المفاجأة في آخرين، كان من المفترض أن لديهم القدرة على التمييز، أو التظاهر به، تورّطوا بدورهم، وأخذوا راحتهم، وفضفضوا، تحت تأثير "القرش". لطالما تحدّثوا عن الديمقراطية، وشرعية الصندوق، والشرعية الدستورية. الآن "طالبان" في السلطة، لأنها لم تعبأ بكل هذا "الزيف". هكذا بوضوح، وبالنص، ومن دون مواربة. من أراد السلطة، فالسلاح أولًا وثانيا وأخيرا، أما السياسة، وأدواتها، وخطاباتها، وإكراهاتها، جميعهم للاستهلاك الإعلامي، خطابات مرحلة ما قبل التمكين، وما بعد الانقلابات. يبدو السيسي، والحال كذلك، أقل بؤسا، هكذا غرّد آخرون، ولا لوم عليهم!
نتحدّث هنا، كما يتحدّثون، عن سياقنا المصري والعربي، مجالنا السياسي العام، ثوراتنا، تحدّياتنا، مقاومتنا الأنظمة الاستبدادية في بلادنا، وليس عن إزاحة الاحتلال الأجنبي، التي لا يختلف بالغان عن كونها المجال الشرعي، والحتمي، لاستخدام العنف، الفارق واضح، لكنه لم يكن كذلك في خطابات تمجيد العنف في مواجهة السياسة التي جرى سحبها من "التربة" الأفغانية، و"لفها" للمستهلك المصري والعربي المحبط. لم يعد الاحتلال بحاجةٍ إلى تحريك الجيوش، واستنزاف الأموال والأرواح، وتوظيف العملاء والوكلاء، وتجنيد الجواسيس. يكفيه أن يترك وراءه، في البلاد التي يريد لها مزيدا من التخريب، أنظمةً فاشية، بلا رؤية. وسوف ينجز هؤلاء، وحدهم، ومن دون تدخل في شؤونهم الداخلية، ما تعجز عنه العروش والجيوش، وتجاربنا مع الأنظمة الاستبدادية "الوطنية" كافية ووافية.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان