طالبان .. البحث عن جيش نظامي

طالبان .. البحث عن جيش نظامي

04 سبتمبر 2021

محتويات حقيبة أحد مقاتلي "طالبان" في كابول (29/8/2021/لوس أنجليس تايمز)

+ الخط -

لم يحدُث أن خلّفت الولايات المتحدة وراءها ترسانة ضخمة من الأسلحة في بلد، كما فعلت في أفغانستان. ولن تنفع تبريرات العسكريين الأميركيين لجهة "عدم جدوى" هذه الترسانة، بتأكيدهم أنهم جعلوها غير صالحة للاستخدام قبل مغادرتهم، ولا حتى انتقاد حركة طالبان لهم لذلك، على اعتبار أن "تلك المعدّات مُلك لأفغانستان، ولم يكن مفترضاً تعطيلها". في الواقع، كل ما يحصل في أفغانستان "شيء جديد"، من الانسحاب إلى العلاقة التحالفية الجديدة بين واشنطن والحركة إلى مسألة السلاح.

يُمكن هنا الانطلاق من سؤالين: لماذا تترك الولايات المتحدة هذه الكمية من السلاح خلفها، خصوصاً أنها كانت قادرةً، بموجب حيّز زمني واسع، على سحبها كلها، وفقاً لاتفاقها مع "طالبان" في 29 فبراير/ شباط 2020 على الانسحاب من أفغانستان؟ مع العلم أن الحركة لم تكتفِ بالسيطرة على السلاح الذي كان في حوزة الأميركيين، بل أيضاً على السلاح الأميركي الذي كان في حوزة القوى الأمنية الأفغانية. .. لماذا تحتاج "طالبان" إلى سلاح جيش نظامي، فيما نشأتها، ثم نهضتها في 15 أغسطس/ آب الماضي، بعد سقوطها على يد الأميركيين عام 2001، قامتا على أسس "حرب العصابات" التي تساعدها فيها جغرافيّة البلاد الصعبة؟

في السؤال الأول، على الرغم من ظهور واشنطن بمظهر المتعجّل للانسحاب من كابول، بما يوحي بأن تركها السلاح خلفها "أمرٌ اضطراري"، إلا أن لهذه الخطوة دلالاتٍ كبيرة، برزت تحديداً مع تحليق مروحية عسكرية من نوع "بلاك هوك" فوق قندهار، معقل "طالبان"، يوم الإثنين الماضي. في العادة، كانت هذه المروحية تقصف مواقع "طالبان" في المدينة نفسها في الأيام الأولى للغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، إلا أن طيّارين أفغاناً تابعين للحركة هم من سيّروها أخيراً. وما ينطبق على قيادة "بلاك هوك" سينطبق على كل أنواع الأسلحة، وربما الاستعانة بـ"مستشارين أميركيين" للمساهمة في استخدامها.

في السؤال الثاني، إن حاجة "طالبان" إلى جيش نظامي أمر أساسي لها لبناء قوة مبنية على شرعية السلطة، لأن غياب هذا الجيش سيُفسح المجال، على المديين المتوسط والطويل، لنشوء مقاوماتٍ متفرّقة في البلاد ضد حكمها. يُمكن لـ"طالبان" إلقاء نظرة على دول عربية والاتّعاظ من دروسها. في العراق، انهار الجيش في الموصل عام 2014، فتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على أنقاضه. في اليمن، تفكّك الجيش بعد بدء الحرب عام 2014، في ظلّ عقلية قبلية مهيمنة على المجتمع اليمني. في سورية، أدّت الثورة عام 2011 إلى انشقاق مجموعاتٍ كبيرة من العناصر عن الجيش الموالي لرئيس النظام بشار الأسد. في لبنان، لا يُمكن للجيش اقتحام حيّ صغير في قرية نائية تتقاتل فيه عائلتان، ما لم يكن قد نال غطاءً طائفياً ومذهبياً لتدخله، وإلا سيُقال إن "تدخله في هذه المنطقة طائفي" مثلاً، ما يؤدّي إلى تفكّكه.

في كل تلك الحالات، يسمح ضعف السلطة العسكرية الرسمية في المنطقة الإقليمية الممتدة من أفغانستان إلى لبنان بتدخّل خارجي، لتكريس دور الجماعات والمليشيات المسلّحة، على حساب الجيش المفترض أن يمثل "الدولة" و"النظام". وفي غياب إعلان هذه الجماعات، رسمياً على الأقلّ، انقلابها على الدولة الموجودة فيها، لتبرير وجوديّتها، لأنه لا يمكن نظرياً حكم شرعيتين على أرضٍ واحدة، وإلا تُصاب بالتفسّخ وصولاً إلى الصدام المسلّح، فإن وجودها بات مسبّباً، عن قصد أو من دونه، لديمومة الحروب بعناوين طائفية ومناطقية ومذهبية. وسيؤدّي ذلك إلى نشوء مقاومة داخلية ضد هذه الجماعات مستقبلاً، وستسقط، لأن "لا قوة تحكُم إلى الأبد".

هنا تُفهم حاجة "طالبان" إلى جيش نظامي تابع لها، يسمح بالسيطرة على أفغانستان أولاً، ومنع أي تدخل إقليمي عسكري من دول الجوار فيها ثانياً. وإذا نجحت الحركة بذلك في كابول، فإن أحجار الدومينو ستتدحرج وصولاً إلى شواطئ شرقي المتوسط.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".