طارق النهري ومنيرة المهدية وأشياء أخرى

طارق النهري ومنيرة المهدية وأشياء أخرى

11 اغسطس 2022
+ الخط -

1 – فور خروج الممثل طارق النهري، المتهم بحرق المجمع العلمي وحامل المسدس الشهير في ليلة "30/ 6"، ممسكاً بشخص ضعيف يضربه ضرباً مبرحاً والدماء تسيل من ذلك الشخص الغلبان جداً، تأمّلت جديلته الطويلة أولاً، والتي اقتربت من الثلاثين سم، بعد خروجه من السجن مباشرة، وقلت لنفسي باسماً: يا تُرى، كم كلّفت جديلة طارق النهري وزارة الداخلية ومصلحة السجون من الشامبوهات؟ أما ما قاله فور خروجه بعفو رئاسي، أيضاً، فشيءٌ لا يحدُث إلا في أفلام إسماعيل ياسين، وهو بمثابة تنويعة أخرى من تنويعات الضحك في الشارع المصري، بقصد وتكتيك مرسوميْن، خصوصاً أن المتهم الآخر بحرق المجمع، وهو أحمد دومة، ما زال في السجن منذ سنوات تحت التعذيب وبلا جديلة.

فإذا كان السجين طارق النهري، المتهم بحكم قضائي بحرق المجمع العلمي، قد حزن حزناً شديداً حينما علم بالعفو الرئاسي، نظراً إلى النعيم الذي يتمتع بعه داخل أسوار السجن، وكم الورود والأزهار التي كان ينالها من الضباط في سيارات الترحيلات، علاوة على الجرائد والمجلات والراديوهات .. إلخ، فلماذا لم يصوّر ذلك كله باعتباره مخرجاً قديماً، كي يكذب حكايات التعذيب ويصور لنا بكاميرته ثمار التفاح والمانغو والبرقوق، وهي مرميّة على عواهنها في غرف محمد البلتاجي وباسم عودة وأحمد دومة وغيرهم من ناكري النعمة؟ وعموماً، نحن في انتظار مسلسلين خطيرين في رمضان المقبل عن تلك الجنة الموعودة التي تركها خلف ظهره الممثل طارق النهري في سجون مصر، مثل تلك الجنة بملاعبها، وغيتاراتها، والتي تركها أيضاً الملحن هاني مهنا سابقاً. أما أمر اشتراكه في الحوار الوطني فقطعاً سيكون حتمياً، خصوصاً أن يده، الممسكة بالمسدّس، لم تلوّث بالدم. أما أمر نفقات جديلته من الشامبوهات، فذلك أمر "مهنيٌّ صرف"، وهو من صلب اختصاصات وزارة الداخلية، وليس من اختصاصات لجنة الحوار الوطني جملة وتفصيلاً، كما سيذكر السيد ضياء رشوان للإعلام في الجلسة الخامسة للحوار الوطني إن شاء الله. وعليه، يحقّ للسيد طارق النهري أن يكون من لبنات الحوار الوطني، بشرط أن يسلم مسدّسه فور دخوله القاعة، إلى أمن بوابة لجنة الحوار بالأكاديمية، فهي صاحبة الشأن المعني بتلك الأمور.

2 – يُحكى أن السيدة منيرة المهدية، في سيرتها، بعدما عاشت أيامها في الغناء والمسرح في سعادة وبحبوحة وفرفشة تفوق ليالي ألف ليلة وليلة وطارق النهري في السجون، حجّت بيت الله ثلاث مرات، وخاصة أنها آلت إلى بيت قديم بمقابر الإمام الشافعي، بعدما تخلصت أو باعت عوامتها التي اجتمع فيها مجلس وزراء مصر "لضرورة استراتيجية"، وباعت أيضاً فيلتها الراقية بمصر الجديدة، وغسلت يديها تماماً من الدنيا، وتمنّت أن يلتزم البنات والنساء بيوتهن بالتقرّب إلى الله، وأنها لم تكن تحلم، وهي الطفلة اليتيمة، أن تنال كل تلك الأحلام التي نالتها، وهي اليتيمة التي كانت تستمع إلى غناء القرية في بني سويف، رغم أنها من الشرقية أصلاً، في قرية زوج أختها ولم تتجاوز الخامسة من عمرها، وخصوصاً هذا المقطع الذي لم يغب عن ذاكرتها أبداً كما لن يغيب من ذاكرة طارق النهري أبداً أمر السرور والجنائن التي تمتع بها في السجون، وبكى بكاء مرّاً حينما سمع خبر الإفراج عنه، وكانت الأغنية الخاصة بمنيرة، وهي طفلة تقول: "تحت السبيل المبيّض رأيت سيدي البيه، راكب حصان انجليزي والعبيد حواليه". وتكمل مذكّراتها لمجلة البوليس قائلة: "كدت أشتري نصف مدينة القاهرة، وأنقذني أولياء الله من شر الحسد والعين، وكانوا يستميلون قلبي بالعرائس الملونة".

أبعد كل هذه الديمقراطية التي مشت فيها مصر خلال قرن وربع ناطحت فيها لندن وباريس في الديمقراطية، تستكثر أنت على طارق النهري أن ترعى له مصر جديلته وراء أسوار سجونها بالشامبوهات والعطور، وتأخذه فور خروجه من السجن إلى استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي حرّاً طليقاً معطراً كي يتكلم بكل حرية، كما فعلت تماماً برئيسين سابقين، كمحمد نجيب بعدما تركته في فيلا فاخرة بالمرج يزرع الورد والجوري، ومحمد مرسي في قفص زجاجي حسده عليه العالم كلّف ميزانيها الشيء الفلاني.

3 – أتعجب على فلاسفة الشرق من أهل اليسار العربي الذين كم تغنّوا بالسنبلة والقمح والشغيلة وعرق الفقراء، خصوصاً بعدما احتجز بوتين، وهو أيقونتهم الاستراتيجية، سفن القمح في الموانئ لشهور عديدة، وترك فقراء شعوبهم في أفريقيا نهباً للجوع، ولم يمرّر السفن إلا منذ يومين، أين ذهب تلامذة فرويد؟

فعلاً النخبة الاستراتيجية في حاجة ماسّة للعلاج.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري