سورية في قمة بايدن - بوتين

سورية في قمة بايدن - بوتين

27 يونيو 2021
+ الخط -

عندما يجتمع قطبا السياسة العالمية في قمّة، ترتفع التوقعات وتنتعش الآمال بإيجاد حل لبعض مشكلات الكوكب، أو قد يسود جو من القلق من زيادة تعقيد مشكلات أخرى .. فتمدّد الدولتين الزئبقي يوحي بالفعل بأنّ أميركا وروسيا قد تكونان منشأ لكلّ مشكلة، ومصدراً لأيّ حلّ. وعلى هذا التصور، توجهت النظرات الشعبية والرسمية السورية إلى لقاء بايدن - بوتين، وما قد يصدر عنه بخصوص سورية. لم يكن التفاؤل سائداً بقدر ما كان الشعور يحمل ترقّباً، وتساؤلاً مضمونه: ماذا سيقول الرجلان حول الأمر؟

أصيب السوريون، على اختلاف جغرافيات وجودهم، بأنواع كثيرة من الإحباط، ولم يصدّقوا أنّ هناك حلاً فعلياً لما حصل في بلدهم. ومن هنا كان الترقب من دون انفعال خاص أو أمنيات محددة...

لم يبدِ الرجلان اللذان يحكمان "أخطر" بلدين، ردّ فعل كبيراً تجاه سورية، على الرغم من وجود قوات عسكرية لبلديهما فيها، ولديهما مصالح مباشرة هناك، ومصالح أخرى لحلفاء يحمونها، إلاّ أنّ الرجلين، بسرعة واقتضاب، ومن دون أيّ صيغ سياسية، حوّلا الموضوع السوري إلى مجرد قضية ذات مضمون إنساني، وأتى الحديث عنها محدّداً في سياق إدخال المساعدات وطرق عبورها، أو مشكلة كورونا التي تعصف بالداخل السوري، وبعض العقوبات المطبقة على النظام، والتي تحدّ من قدرته على مكافحة الفيروس! وعلى الرغم من أنّ الحديث ركّز على الجانب "الإنساني" فإنّه لم يصل ببوتين إلى الحدّ الذي يجعله يتعهد بتجديد القرار الأممي الذي يقرّ دخول مساعدات عبر الحدود السورية من نقطة واحدة، وكان العدد قد خُفّض من أربع نقاط دخول إلى واحدة، وهي النقطة الوحيدة التي تمرّ منها وسائل الحياة لثلاثة ملايين إنسان في إدلب ومحيطها، والتجديد للمعبر هو استحقاق إنساني موعده العاشر من الشهر المقبل (يوليو/ تموز). لم يفلح بايدن في تسجيل هذه النقطة الإنسانية والفرصة متاحة لعدم التجديد، كما يهدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهذا يعني مزيداً من الضغط على الملايين الثلاثة في إدلب.

لكنّ بوتين المستعجل لبدء عملية إعمار تعوّض عليه نفقاته الاقتصادية، طلب من بايدن أن يرفع العقوبات عن النظام، وتحديدا "قانون قيصر" ذا الآثار المدمرة، بذريعة أنّه يحد من قدرة النظام على التحكّم بانتشار فيروس كورونا. طلبُ بوتين المغلف بجوانب إنسانية جعل بايدن يستجيب جزئياً، ورفعت أميركا بالفعل العقوبات عن شركات مقرّبة من زوجة بشار الأسد، بما يخص استيراد مواد خاصة بمقاومة الفيروس، ما يفتح ثغرةً، وإن صغيرة، في القانون الذي ساهم في انهيار النظام اقتصادياً، وجعله يعاني وهو يشاهد معدلات ارتفاع جنونية لسعر الدولار أمام العملة السورية. هذا جزء، لكنّ رفع العقوبات الفعالة أمر بعيد جداً حالياً، خصوصاً في ظل العناد الروسي في قضية التعامل مع المعابر والإصرار على فرض ممثلي النظام في الإشراف عليها أو إغلاقها بالكامل، وهو إصرارٌ ذو جوهر سياسي، على الرغم من عناوينه الإنسانية، فهو يفرض النظام وممثلوه في أثناء التعاملات الدولية.

على الرغم من الجوانب الإنسانية للقضية السورية ذات الذيول المروّعة التي خلفت مشردين وأيتاماً، وأوجدت وقائع جغرافية جديدة، فإنّ المشكلة في سورية سياسية، ولا يمكن التعامل مع جوانبها الإنسانية فقط، فمثل هذا النوع من التعاطي يؤدّي مفعول المسكنات التي قد تخفّف من الألم من دون الولوج إلى أصل المرض، وهو الواجب علاجه لحلّ هذه القضية، لكنّ رؤساء دول كبرى يجدون استنزافاً لإمكانات روسيا وإيران في هذا الركود السياسي. وأميركا، على وجه الخصوص، ترحب بإطالة أمد هذا الاستنزاف إلى أطول فترة ممكنة، والتشاغل الإنساني يرضي عقليتها ويريح ضميرها، ويبقي الآلة العسكرية الروسية مشغولةً من دون أيّ تكلفة على الأميركيين. وللأسف، قد يتوجب على السوريين البحث عن أماكن أخرى غير صالات انعقاد مؤتمرات القمة العالمية، لحلّ مشكلاتهم السياسية.