سورية: عرض التطبيع وتجاهله

25 ابريل 2025

علما سورية وفلسطين في احتجاج سوريين في دمشق ضدّ الاحتلال الإسرائيلي (7/4/2025 فرانس برس)

+ الخط -

لا توفر الإدارة السورية الجديدة وسيلة للمساعدة في رفع العقوبات المفروضة بغية تثبيت الاستقرار في البلاد فحسب، لكن يبدو أنها مستعدّة للذهاب إلى أبعد مما كان متوقعاً لتحقيق هذه الغاية. هذا ما كشف عنه عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، في حواره مع تلفزيون "العربي" بعد زيارته دمشق ولقائه الرئيس أحمد الشرع.

نقل ميلز عن الشرع انفتاحه على "تحسين العلاقات مع إسرائيل وإجراء حوار معها"، من دون أن يستبعد توسيع "اتفاقيات أبراهام" لتشمل سورية. ويمكن اعتبار أن الذكر الصريح لهذه الاتفاقات، بحسب ما نقل ميلز، هو الأخطر في التوجّه السوري الجديد، خصوصاً أن "أبراهام" التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، وشملت تطبيع العلاقات بين إسرائيل من طرف، والإمارات والبحرين والمغرب والسودان من طرف آخر، كانت مجّانية ولم تقدم خلالها دولة الاحتلال أي تنازل مقابل الانفتاح عليها وتطبيع العلاقات معها. حتى إن الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقات لم تضع أي شروط على تل أبيب في ما يخص قضية فلسطين أو غيرها من القضايا التي تضطلع بها إسرائيل بدور المحتل.

يمكن القول، من دون قبول ذلك، إن هذه الدول المطبّعة، أو المنضوية ضمن الاتفاقات، لا تملك حدوداً مباشرة مع دولة الاحتلال، وليس لها أراضٍ مصادرة بقوة السلاح الإسرائيلي، ومن ثم لم تضع أي طلبات في هذا الشأن على طاولة محادثات "أبراهام"، وعمدت إلى إرضاء ترامب وكسب ودّه. لكن هذا الأمر لا ينطبق على سورية في الوقت الذي تحتل فيه إسرائيل أجزاء من أراضيها منذ سنوات طويلة، واحتلت المزيد بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وتنفذ بشكل شبه يومي اعتداءاتٍ في مختلف الأراضي السورية.

لا يمكن للإدارة السورية الجديدة الإتيان على ذكر الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" من دون المرور على مطالب من المفترض على إسرائيل تحقيقها، في مقدّمتها الانسحاب من الأراضي السورية ووقف الاعتداءات. وللأسف، من غير الواضح ما إذا كان قد جرى التطرق إلى هذه الأمور في لقاء الشرع وميلز، والذي لم ينقل عن الرئيس السوري أي إشارة إلى ضرورة استعادة الأراضي المحتلة قبل المضي في "تحسين العلاقات" مع إسرائيل.

من المفهوم أن الرئيس السوري يسعى إلى بعث رسائل طمأنة في كل الاتجاهات، لنيل الاعتراف الدولي وتحقيق غاية رفع العقوبات عن سورية، باعتبارها الخطوة الأساسية للسير بالبلاد نحو "العهد الجديد"، ومن دونها قد تحدُث العودة إلى الفوضى والاقتتال. لكن من غير المفهوم القفز إلى تقديم مثل هذا العرض من رئيسٍ يأتي من خلفية عقائدية من المفترض أنها تناصب العداء لإسرائيل. والأكثر غرابة أن العرض ليس من ضمن المطالب الأميركية والغربية، على الأقل وفق ما خرج إلى الإعلام، فما تسرّب عن شروط أميركية للانفتاح على الإدارة الجديدة لم يأت على ذكر التطبيع أو إبرام "اتفاق سلام" مع دولة الاحتلال، إذ إن معظم المطالب داخلية بالدرجة الأولى، ويرتبط جزءٌ منها بالانتهاكات التي شهدتها بعض الأراضي السورية ووضع المقاتلين الأجانب في البلاد. وهنا يمكن لكثيرين أن يتساءلوا: هل هذه القفزة في العروض هي للتحايل على بعض المطالب الغربية؟

وبغض النظر عن هذا التساؤل، والذي لا يملك أحدٌ جواباً حاسماً عليه، كان لافتاً الغياب الكامل لردّات الفعل السورية على ما نقله ميلز على لسان الشرع في ما يخصّ التطبيع. لم نشهد أي تعليق من السياسيين السوريين، القوميين وغيرهم على هذا العرض، ولم تضج وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات على الكلام المنسوب للشرع، على عكس الضجيج الذي يحدثه أي تصريح سوري لا يعجب فئة ولو قليلة من السوريين. فهل يمكن تفسير هذا الصمت بأن لا اعتراض سورياً على التطبيع، وأن هناك قبولاً في حال نجح هذا التوجه في تخفيف معاناة العقوبات، وأن الأولوية لرفعها بأي ثمن؟ ربما.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".