سورية الجديدة كما تريدها إسرائيل

12 يناير 2025
+ الخط -

منذ سقوط نظام بشار الأسد (قبل أكثر من شهرٍ) تبعثرت المخاوف العربية والإقليمية بين من يثير القلق من الأجندة الإيرانية التي لن تهدأ وتقبل بمرارة الهزيمة في سورية، وستعمل على محاولة دعم الفوضى الداخلية واستخدام الورقة الطائفية من جهة، والأجندة التركية التي ما تزال دول عربية عديدة تراها بمثابة دعم للإسلام السياسي وحركاته في المنطقة، وليس فقط في سورية، بالرغم من التحولات الكبيرة، بل التقلبات، التركية في السياسات الإقليمية، لكننا لا نجد توجّساً حقيقياً وكبيراً عربياً مشابهاً من أجندة اليمين الإسرائيلي الحاكم، ولتصوّراته الحقيقية لسورية الجديدة، أو بعبارة أدقّ التحوّل الجيوبوليتيكي المطلوب إسرائيلياً Geopolitics Shifting على صعيد المنطقة بأسرها.

ما يفترض أن يقلق منه العرب جميعاً، ومعهم إيران وتركيا أيضاً، هو التصور اليميني الصهيوني لسورية وللمنطقة، بخاصة مع عودة ترامب وفريقه اليميني الذي سيكون متواطئاً مع هذه الأجندة؛ فعلى صعيد إيران، لم تبق لها أوراق حقيقية في سورية، وهي حالياً في مرحلة تمزّق للنفوذ الإقليمي، وفي حالة دفاع وقلق من وجود أجندة أميركية - إسرائيلية للهجوم المباشر وغير المباشر على طهران. وفي ما يخص تركيا فلديها أجندة ومصالح استراتيجية مع سورية الجديدة، لكنها مصالح مشتركة، وستكون تركيا دولة راعية وداعمة للنظام الجديد، ولا يوجد قلق حقيقي من النفوذ التركي، بل قد يكون إيجابياً إلى درجة كبيرة في الظروف الاقتصادية والبنية التحتية المدمّرة وغياب الجيش والأمن في سورية.

في المقابل؛ لماذا نقلق من الأجندة الإسرائيلية؟... لأنّها، باختصار، تقوم على نظرية رئيسية في أنّ أمن إسرائيل على المدى البعيد يقوم على تجزئة سورية وتقسيمها والتلاعب بورقة الأقليات، وربما إيجاد دويلاتٍ تمثل العلويين والدروز والأكراد. هذا في الحدّ الأعلى، وفي الحدّ الأدنى، الأجندة هي قيد التطبيق منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الأسد، عبر مسارعة إسرائيل إلى تدمير كامل البنية العسكرية للجيش السوري السابق، وتدمير مخازن الأسلحة، والتمدّد في الجنوب السوري، في المنطقة المحرّمة، وإعلان بطلان وقف إطلاق النار في العام 1974، بما في ذلك السيطرة على جبل الشيخ، الذي يمثّل خط دفاع استراتيجياً عن سورية ولبنان في الوقت نفسه، ومع سيطرة إسرائيل عليه بات الجنوب السوري، بل حتى دمشق، في حالة انكشاف استراتيجي.

لم تنتظر إسرائيل موافقة العالم أو القرارات الدولية، بل تحرّكت سريعاً خلال ساعات قليلة للسيطرة على هذه المنطقة، بل ذهب نتنياهو إلى زيارتها متبجّحاً. وأخيراً كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، نيات إسرائيل إبقاء السيطرة على ما يقارب 15 كيلو متراً، وعمق استخباري يصل إلى 60 كيلو متراً في سورية، بمعنى احتلال استراتيجي وأمني وسيطرة شبه مطلقة على المنطقة الجنوبية، بدايةً، وتمهيداً لتوسيع نطاق العمليات الاستراتيجية لجيش الاحتلال، في حالة الفوضى أو المشكلات في الجنوب، لتوسيع المناطق العازلة، وربما دعم إقامة كيانات للأقليات بذريعة الخشية من الإسلاميين وخلفياتهم الأيديولوجية.

هل كان بإمكان هيئة تحرير الشام وقف المشروع الإسرائيلي؟ بالتأكيد لا، بخاصة أنّ للمصالح الأميركية في سورية عنواناً واحداً، إسرائيل، ولا يوجد تكافؤ بين الهيئة والاحتلال، فضلاً عن أن أولويات "الهيئة" اليوم أخطر بكثير في التعامل مع الوحدة والأمن والاستقرار وعديدٍ من التحدّيات، لكن ما حدث يكشف الفرق الحقيقي بين الدول (والأنظمة) التي لديها تصوّرات استراتيجية حقيقية والمحيط العربي الذي ما يزال يتخبط ويختلف ويحتار في كيفية التعامل مع الواقع السوري الجديد!.

محزن جداً أن تسيطر إسرائيل على مصادر المياه الحيوية التي تخص الأردن وسورية في حوض اليرموك، وكان يمكن أن تحل مشكلة كبيرة للأردن، وأن ينطلق جيش الإسرائيليين إلى تهديد الأهالي والقرى في سورية ونزع سلاحهم، في اقتناصٍ مدهشٍ للحظة خاطفة، وتسجيل خريطة جديدة لصالح الأمن الإسرائيلي، لأنّ لديهم تصوّرات واضحة لأمنهم ومصالحهم وطريقة عملهم ويفرضونها على العالم بأسره.

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.