21 يونيو 2025
سورية: البهجة بالقوة

بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
سوريون أمام السفارة السورية في بيروت يصطفون للتصويت (Getty)
ظلّ مشهدُ جموع السوريين، وهم يصعدون الطريق العام نحو مبنى السفارة في بيروت، من أجل التصويت في الانتخابات الرئاسية، عصياً على التفسير، حتى بدأت تتسرب من الداخل السوري معلومات عن تقنيات استخدمها النظام لدفع الناخبين إلى الاقتراع، رغم أنوفهم.
لقد استوقف الجميع الحشد السوري الذي أدى إلى تعطيل طرق المرور، واستدعى تدخل الجيش اللبناني، وكان للمشهد وقع الصدمة على قطاع واسع من الرأي العام الذي انطلى عليه أن بشار الأسد يحظى بشعبية، حتى في أوساط الهاربين من جحيم الحرب إلى لبنان. وعلى الرغم من أن عدد الذي ذهبوا للتصويت لا يشكلون نسبة تستحق التوقف أمامها، وهي قرابة 40 ألفاً من مليون مهجَّر، فإن ماكينة الأسد الدعائية نجحت في إخراج الحدث من دائرة اللامبالاة وعدم الاكتراث، إلى نقيضها، واستفادت منه لإيجاد أجواء من الإثارة الإعلامية.
لم يتساءل أحد عن سر ذهاب تلك الآلاف للإدلاء بأصواتها. وحدها سيدة لبنانية خرقت جدار الصوت، وهي محجوزة في سيارتها بسبب زحام الجموع السورية. قالت، "إذا كان هؤلاء يحبون بشار الأسد، لماذا تركوا سورية وهربوا إلى لبنان؟". هذه السيدة مثل غيرها تعرف أن سبب هرب هؤلاء إلى لبنان هو بشار الأسد، لذلك، استفزها المشهد، ولم تتحمل السكوت على التزوير.
تقول أخبار لبنانية إن عدداً لا يستهان به ممن ذهبوا للتصويت يشتغلون لدى أرباب عمل لبنانيين، طلبوا منهم صراحة الذهاب للتصويت للأسد، تحت طائلة فقدان أعمالهم، وبعض هؤلاء صادر جواز سفر العامل السوري لديه، وأبلغه أنه يستطيع أن يستعيده عندما يصوّت في السفارة. ويؤكد آخرون أنهم تلقوا رسائل من السفارة السورية تفيد بأن من لا يذهب إلى التصويت للأسد لن يتمكن من الحصول على أي تسهيل من السفارة، من قبيل تجديد جواز السفر، أو ما شابه.
ما يبعث على الحيرة إلحاح حملة الأسد على إجبار السوريين على التصويت، على الرغم من علم القائمين عليها، مسبقاً، أن رئيسهم سوف يظل رئيسهم، امتلأت صناديق الاقتراع أم بقيت فارغة، وهم يعرفون أن هناك عشرة ملايين لاجئ سوري تسبب الأسد في تشريدهم، ولن يصوتوا له في أي حال.
يمكن تقصّي جانب من الإجابة في الجو العام الذي ساد دمشق، طوال نهار التصويت، وكان تهريجاً استفزازياً وسط حالة من الرعب الشامل. ومنذ ساعات الصباح الأولى، أخذت تحلق طائرات حربية في الأجواء على علو منخفض، وسرت شائعات عن أن أجهزة الأمن ستزور البيوت، لتتأكد من التزام السكان بالذهاب إلى مراكز الاقتراع، الأمر الذي دفع المقاطعين إلى تخزين مواد تموينية، وإغلاق أبواب منازلهم خشية رد فعل الأجهزة. كما امتلأت شوارع دمشق بالشبيحة الذين تولوا مهمة توقيف المارة واستجوابهم بشأن ممارسة "حقهم الانتخابي".
أغلب الظن أن دور هؤلاء ليس البحث عن أصوات ناخبين مترددين، بقدر ما هو إفهام من لم يكترثوا بالعملية أنها ليست مسألة اختيارية، وانتخاب بشار الأسد واجب إجباري. ولذا، كان يتم إرغام المارة على المشاركة في حلقات الدبكة ابتهاجا بـ"العرس الديموقراطي" الذي يتم في ظل هدير الطائرات الحربية، وبحضور أقارب العريس من الإيرانيين والروس والكوريين الشماليين، والذين تكبدوا عناء السفر للإشراف على حسن سير عملية التصويت.
أن يجري التعامل مع السوريين الباقين في بلادهم على هذا النحو، يعني أن النظام لم يتعلم من دروس المأساة التي ألحقها بسورية والسوريين، وهو لا يقيم لهم أي اعتبار أو تقدير أو حتى مراعاة خواطرهم المكسورة. يريد أن يستمر في التعاطي معهم بوصفهم رعاياه الخانعين الذين لا رأي لهم في أيٍّ من شؤون حياتهم (بدكن حرية كمان؟). ومن لم يمت بالبراميل، فليمت من البهجة والدبكة بانتصار الأسد فوق أنقاض سورية.
اليوم ونحن نعبر الذكرى 47 لنكسة الخامس من يونيو/ حزيران، نقف على أعتاب ذلك الحدث كي ننظر إلى شريط حياتنا، فلا نجد غير نكسات أخرى ولدت منها، وبالنسبة للسوريين، فإن "نكسة العرس الديموقراطي" بانتخاب بشار الأسد، هي ابنة النكسة الكبرى.
واليوم، في الذكرى السبعين لإنزال "النورماندي" الذي هزم النازية، وغيّر تاريخ أوروبا، تخطر في البال حكاية معبرة، رواها ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني حينذاك. وتقول الحكاية أن تشرشل استدعى وزراء الحرب والمال والصناعة قبل أسبوع من انزال "النورماندي"، وسألهم عن امكانيات بريطانيا لمواصلة الحرب، فكانت الإجابة واحدة، وهي أن بريطانيا لا تستطيع أن تواصل اسبوعا واحدا. وحينها استدعى وزير العدل، فسأله عن أحوال العدل، وكانت الاجابة أن العدل مستتب. وهنا قال تشرشل، ارتاح بالي وأيقنت أننا سوف نربح الحرب.
لقد استوقف الجميع الحشد السوري الذي أدى إلى تعطيل طرق المرور، واستدعى تدخل الجيش اللبناني، وكان للمشهد وقع الصدمة على قطاع واسع من الرأي العام الذي انطلى عليه أن بشار الأسد يحظى بشعبية، حتى في أوساط الهاربين من جحيم الحرب إلى لبنان. وعلى الرغم من أن عدد الذي ذهبوا للتصويت لا يشكلون نسبة تستحق التوقف أمامها، وهي قرابة 40 ألفاً من مليون مهجَّر، فإن ماكينة الأسد الدعائية نجحت في إخراج الحدث من دائرة اللامبالاة وعدم الاكتراث، إلى نقيضها، واستفادت منه لإيجاد أجواء من الإثارة الإعلامية.
لم يتساءل أحد عن سر ذهاب تلك الآلاف للإدلاء بأصواتها. وحدها سيدة لبنانية خرقت جدار الصوت، وهي محجوزة في سيارتها بسبب زحام الجموع السورية. قالت، "إذا كان هؤلاء يحبون بشار الأسد، لماذا تركوا سورية وهربوا إلى لبنان؟". هذه السيدة مثل غيرها تعرف أن سبب هرب هؤلاء إلى لبنان هو بشار الأسد، لذلك، استفزها المشهد، ولم تتحمل السكوت على التزوير.
تقول أخبار لبنانية إن عدداً لا يستهان به ممن ذهبوا للتصويت يشتغلون لدى أرباب عمل لبنانيين، طلبوا منهم صراحة الذهاب للتصويت للأسد، تحت طائلة فقدان أعمالهم، وبعض هؤلاء صادر جواز سفر العامل السوري لديه، وأبلغه أنه يستطيع أن يستعيده عندما يصوّت في السفارة. ويؤكد آخرون أنهم تلقوا رسائل من السفارة السورية تفيد بأن من لا يذهب إلى التصويت للأسد لن يتمكن من الحصول على أي تسهيل من السفارة، من قبيل تجديد جواز السفر، أو ما شابه.
ما يبعث على الحيرة إلحاح حملة الأسد على إجبار السوريين على التصويت، على الرغم من علم القائمين عليها، مسبقاً، أن رئيسهم سوف يظل رئيسهم، امتلأت صناديق الاقتراع أم بقيت فارغة، وهم يعرفون أن هناك عشرة ملايين لاجئ سوري تسبب الأسد في تشريدهم، ولن يصوتوا له في أي حال.
يمكن تقصّي جانب من الإجابة في الجو العام الذي ساد دمشق، طوال نهار التصويت، وكان تهريجاً استفزازياً وسط حالة من الرعب الشامل. ومنذ ساعات الصباح الأولى، أخذت تحلق طائرات حربية في الأجواء على علو منخفض، وسرت شائعات عن أن أجهزة الأمن ستزور البيوت، لتتأكد من التزام السكان بالذهاب إلى مراكز الاقتراع، الأمر الذي دفع المقاطعين إلى تخزين مواد تموينية، وإغلاق أبواب منازلهم خشية رد فعل الأجهزة. كما امتلأت شوارع دمشق بالشبيحة الذين تولوا مهمة توقيف المارة واستجوابهم بشأن ممارسة "حقهم الانتخابي".
أغلب الظن أن دور هؤلاء ليس البحث عن أصوات ناخبين مترددين، بقدر ما هو إفهام من لم يكترثوا بالعملية أنها ليست مسألة اختيارية، وانتخاب بشار الأسد واجب إجباري. ولذا، كان يتم إرغام المارة على المشاركة في حلقات الدبكة ابتهاجا بـ"العرس الديموقراطي" الذي يتم في ظل هدير الطائرات الحربية، وبحضور أقارب العريس من الإيرانيين والروس والكوريين الشماليين، والذين تكبدوا عناء السفر للإشراف على حسن سير عملية التصويت.
أن يجري التعامل مع السوريين الباقين في بلادهم على هذا النحو، يعني أن النظام لم يتعلم من دروس المأساة التي ألحقها بسورية والسوريين، وهو لا يقيم لهم أي اعتبار أو تقدير أو حتى مراعاة خواطرهم المكسورة. يريد أن يستمر في التعاطي معهم بوصفهم رعاياه الخانعين الذين لا رأي لهم في أيٍّ من شؤون حياتهم (بدكن حرية كمان؟). ومن لم يمت بالبراميل، فليمت من البهجة والدبكة بانتصار الأسد فوق أنقاض سورية.
اليوم ونحن نعبر الذكرى 47 لنكسة الخامس من يونيو/ حزيران، نقف على أعتاب ذلك الحدث كي ننظر إلى شريط حياتنا، فلا نجد غير نكسات أخرى ولدت منها، وبالنسبة للسوريين، فإن "نكسة العرس الديموقراطي" بانتخاب بشار الأسد، هي ابنة النكسة الكبرى.
واليوم، في الذكرى السبعين لإنزال "النورماندي" الذي هزم النازية، وغيّر تاريخ أوروبا، تخطر في البال حكاية معبرة، رواها ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني حينذاك. وتقول الحكاية أن تشرشل استدعى وزراء الحرب والمال والصناعة قبل أسبوع من انزال "النورماندي"، وسألهم عن امكانيات بريطانيا لمواصلة الحرب، فكانت الإجابة واحدة، وهي أن بريطانيا لا تستطيع أن تواصل اسبوعا واحدا. وحينها استدعى وزير العدل، فسأله عن أحوال العدل، وكانت الاجابة أن العدل مستتب. وهنا قال تشرشل، ارتاح بالي وأيقنت أننا سوف نربح الحرب.
دلالات


بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
14 يونيو 2025
07 يونيو 2025
31 مايو 2025