سنوات الرعب في عهد ترامب

05 فبراير 2025
+ الخط -

السنوات الأربع المقبلة لحكم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، العائد إلى البيت الأبيض بأحقاده وثاراته القديمة، سوف تكون صعبة، سنوات من الرعب بدأت حتى قبل أن يتولى مقاليد أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. وقد بدأت مفاعيل التأثير المخيف والمرعب لعودة ترامب إلى السلطة منذ اليوم الأول لحكمه من خلال حزمة قرارات مُفزعة كانت لها تداعيات خطيرة على الداخل الأميركي كما على الخارج، وسوف يكون لها تأثير كبير على الديمقراطية وحكم القانون في أميركا ومخاطر كارثية على العلاقات الدولية. لكن المتضرّر الأول من حكم ترامب في السنوات الأربع المقبلة سيكون العرب وقضاياهم، وفي مقدمها القضية الفلسطينية. وعندما اختار ساكن البيت الأبيض الذي سبق له أن دين بالفساد المالي والاعتداء الجنسي والتشهير، واتهم بسرقة ونشر وثائق سرّية، وتشجيع الانقلاب، أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الصادرة في حقّه مذكرة اعتقال من محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزّة، أول مسؤول أجنبي كبير يستقبله في واشنطن، في تحدٍّ سافر للعدالة الدولية، واستهتار واضح بقرار أعلى محكمة جنائية في العالم، فإن في ذلك رسالة منه إلى كل العالم وإلى العرب، على الخصوص، إلى ما سوف تكون عليه عهدته الحالية.

صحيحٌ أن ترامب رجل أعمال وتاجر عقارات، ويدّعي أنه لا يحبّ الحروب، لكنه في الوقت نفسه شخص مزاجي متقلب لا يمكن التنبؤ بقراراته، يستعمل الضغط بالقوة والابتزاز وفرض الأمر الواقع للوصول إلى أهدافه، وهو، في نهاية المطاف، لا يهمّه سوى ما يحقّقه من أرباح من صفقاته، سياسية كانت أو اقتصادية.

يسود شعور الخوف والرعب عند الأميركيين من أصول لاتينية وعربية وأفريقية، ولدى الأقليات، بسبب إجراءات الترحيل والقرارات العنصرية والتمييزية

على المستوى الداخلي، يسود شعور الخوف والرعب عند الأميركيين من أصول لاتينية وعربية وأفريقية، ولدى الأقليات، بسبب إجراءات الترحيل والقرارات العنصرية والتمييزية وتصاعد أعمال الكراهية والعنف المسلح، ففي يوم تنصيبه، أغلق ترامب الموقع الإلكتروني لمكتب منع العنف المسلح، وأعلن حالة الطوارئ على الحدود المكسيكية وحوّلها إلى ساحة حرب، وشحن مهاجرين كولومبيين على متن طائرات عسكرية، وهم مكبّلو الأيدي والأرجل وكأنهم مجرمون عتاة. تضاف إلى ذلك التهديدات التي سبق أن أعلن عنها ترامب في أثناء حملته الانتخابية بالانتقام من معارضيه السياسيين، بل وحتى من موظفي الدولة في وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، والمدّعين العامين الديمقراطيين، ما يجعل الكل خائفاً ومتوجساً إلى درجة أصبح معها الرعب واقعاً ملموساً.

على المستوى الخارجي، تثير كل تصريحات ترامب وتصرّفاته الخوف والرعب، فهو لا يأبه بالقانون الدولي، ولا يراعي ميثاق الأمم المتحدة. أما حدود الدول وحقوق الإنسان فلا تعني له أي شيء، وهو ما عكسته تصريحاته بالاستيلاء على قناة بنما، واعتبار كندا ولاية أميركية، وسعيه إلى ضم جزيرة غرينلاند الواقعة في الأراضي الدنماركية في القطب الشمالي. كما أن من شأن قراراته أخيراً رفع الرسوم الجمركية على صادرات الدول إلى بلاده من كندا والمكسيك والصين، ومستقبلا من أوروبا وربما من دول أخرى، أن تُشعل حربا تجارية عالمية تضر بالاقتصاد والتجارة العالميين، وتؤدي إلى كساد عالمي كبير شبيه بالذي حدث عام 1929.

ما يزيد من تفاقم الرعب عبر العالم جرّاء عودة ترامب إلى البيت الأبيض الخوف من صعود التيارات والأحزاب اليمينية عبر العالم

وما يزيد من تفاقم الرعب عبر العالم جرّاء عودة ترامب إلى البيت الأبيض الخوف من صعود التيارات والأحزاب اليمينية عبر العالم، في أوروبا وكندا وفي أميركا الجنوبية وآسيا، والتي لا يُخفي ترامب وإدارته تعاطفه معها، بل ودعمه لها، بما أنها تقاسمه الأفكار العنصرية والشوفينية نفسها. وبعض هذه الأحزاب اليمينية مرشّحة لأن تصل إلى السلطة خلال ولاية ترامب الحالية، كما هو الحال في فرنسا التي قد يصل اليمين المتطرّف إلى سدة الحكم فيها أول مرة عام 2027. وفي ألمانيا قد نشهد سيطرة اليمين النازي على مقرّ البرلمان الألماني لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وما ينتظر العرب والقضية الفلسطينية من حكم ترامب خلال ولايته الحالية هو الأسوأ والأفظع، وقد بدأت ملامح هذا المستقبل المرعب والمخيف تتبدّى من خلال تصريحات ترامب ونيّاته التي لا يخجل من الإعراب عنها بكل فجاجة بل ووقاحة، عندما يطلب ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، وتوسيع رقعة احتلال إسرائيل لتشمل أراضي الطوق حولها، ودعوة العرب إلى التطبيع مع نظام مجرم احتلالي واستيطاني، وفرض إتاوات على حكومات عربية فقط لأنها غنية، وطرد الطلاب العرب من الولايات المتحدة بسبب عرقهم ودينهم وقيمهم ومواقفهم وأفكارهم. هي حزمة من الإجراءات والتصريحات والقرارات تبعث الخوف والرعب في الحكام والناس لدفعهم إلى الاستسلام حتى قبل المواجهة.

كتب الصحافي بوب وود وارد، في كتابه "الخوف: ترامب في البيت الأبيض"، الصادر عام 2018، إن القوة الحقيقية لترامب هي الخوف، الخوف نهجا واستراتيجية لتحقيق أهدافه. اعتماد استراتيجية الخوف من خلال قرارات مخيفة وإجراءات عدوانية وتهديدات مرعبة لبعث الخوف في خصومه، ودفعهم إلى التنازل والخضوع والرضوخ لطلباته. وما يقوم به اليوم ترامب، هو إعادة تجريب استراتيجية الخوف لتخويف الناس وابتزازهم، ومن يصمُد أكثر أمام هذه الاستراتيجية سينتصر عليها في النهاية.

تأسّست صورة أميركا زعيمة للعالم الحر على ماضيها، عندما قامت الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية بنجدة أوروبا من خطر النازية، وبعد تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 أصبحت أميركا بمثابة حارس النظام العالمي الجديد الذي قام على القواعد والقوانين التي انبثقت من الميثاق المؤسّس للأمم المتحدة ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعندما تضرب أميركا اليوم هذه القواعد والمواثيق فهي كمن يطلق النار على قدمي هذا النظام الذي بدأ فعلا ينهار، وما حدث في غزّة من جرائم فظيعة تشهد على انهياره المدوّي. وليس ترامب سوى أحد نتوءات هذا الخراب الذي يعيش فيه عالم اليوم الذي أصبح يسير على رأسه، بدل السير على قدميه.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).