سليمان المعمري... شغّيل الثقافة المبدع

12 يناير 2025
+ الخط -

إذا لم تخن الذاكرة، فإنّ الراحل إلياس خوري هو من أطلق مرّة على الناقد اللبناني الراحل، أيضاً، محمد دكروب، وصف "شغيل الثقافة"، في شهادة كتبها عن تجربة دكروب، وهو يثني على ما قدّمه الرجل من خدمة كبيرة للثقافة في لبنان وفي العالم العربي من خلال عمله الذي استمر عقوداً في دوريات ثقافية وأدبية مهمّة في تاريخنا الثقافي، من موقع المبدع المثابر والدؤوب للمشهد الثقافي لبنانياً وعربياً. وحين قرأتُ، مسروراً، خبر اختيار النادي الثقافي العُماني الإعلامي والأديب سليمان المعمري شخصية العام الثقافية للعام المنقضي (2024)، خطر ببالي أنّ صفة "شغيل الثقافة" تنطبق على المعمري أيضاً، وليس أدلّ على ذلك من الترحيب الواسع الذي ناله تكريم النادي الثقافي له، في الوسط الثقافي في وطنه عُمان، ولدى محبي المعمري وأصدقائه من المثقفين والأدباء في منطقة الخليج وفي العالم العربي عامة، ممن عرفوه أديباً، قاصّاً وروائياً، وإعلامياً بارزاً عرف بحواراته الثقافية الثرية الإذاعية والتلفزيونية.

تجمعني بسليمان المعمري معرفة شخصية، تعود إلى سنوات طويلة، وكنتُ ضيفاً عدّة مرات في برنامجه الإذاعي للتحدث عن بعض إصداراتي، أو الإدلاء بشهاداتٍ في موضوعاتٍ يتناولها برنامجه، وسعدتُ أيضاً بقراءة بعض كتبه. وكان لي وقفة مطولة بعض الشيء نشرت في الملحق الثقافي لصحيفة عُمان، "شرفات"، مع روايته "الذي لا يحبّ جمال عبد الناصر" بعد صدور طبعتها الأولى، ومن موقع هذه المعرفة والمتابعة في وسعي القول إنّ أفضال هذا الرجل على الأدب والثقافة كبيرة، وتستحق كل الثناء والتقدير والتكريم.

قبل نحو عام، حاورتُ المعمري في أمسية ثقافية أقيمت في مقر المنبر التقدمي بالبحرين، عن محطّات حياته منذ البدايات، وتشكّل ملكة القصّ لديه منذ طفولته، وقراءاته الأولى، وولوجه مجال الإذاعة جنباً إلى جنب مع الكتابة الأدبية. في بداية ذلك الحوار قلت له إنّ مهمتي ستكون صعبة، فليس سهلاً محاورة إعلامي متمكّن في جعبته مئات الحوارات أجراها مع شخصيات ثقافية وفنية من عُمان ومن مختلف البلدان العربية. وبالمناسبة، اختار المعمري بعض هذه الحوارات وأعاد نشرها في كتاب.

طبيعي أن أحد أهم الأسئلة التي تُوجّه إلى المعمري تتصل بنجاحه اللافت في الجمع بين الحسنيين، الأدب والإعلام، على ما نسمع من تعارض بينهما، فأجاب بأن اهتماماته منذ كان طالباً في جامعة السلطان قابوس كانت ثقافية (تحديداً أدبية)، وهذا هو الباب الذي دخل من خلاله إلى إذاعة سلطنة عُمان، بإعداد برنامج ثقافي بصفته متدرباً، عن عباقرة مخرجي المسرح في القرن العشرين، فيما استمرّ في كتابة القصة ومتابعة المشهد الثقافي العُماني باهتمام، ما جعله يتحوّل لاحقاً إلى إعداد عدة برامج إذاعية وثقافية، خصوصاً بعد تعيينه رئيساً لقسم البرامج الثقافية في الإذاعة، ومن برامجه "كتاب أعجبني"، "نوافذ ثقافية"، "من مسافة قريبة"، "القارئ الصغير" الموجه للأطفال.

ثمّة محطة لا يعرفها كثيرون عن تجربة سليمان المعمري، التحاقه بقسم الفنون المسرحية بالجامعة، ورغم ميله يومها إلى كتابة الشعر، وسعي أستاذه في الجامعة، آنذاك، هاني مطاوع، رئيس قسم الفنون المسرحية، لإعداده كي يصبح كاتباً مسرحياً بتكليفه إعادة كتابة بعض النصوص المسرحية الغربية برؤية عُمانية، الأمر الذي سيسفر لاحقاً عن كتابة مسرحيته الكوميدية اليتيمة "شكراً حاول مرّة أخرى".

يقول المعمري إنّ ثاني قصة كتبها، "إنّي أحسدك يا جابر"، هي التي قدّمته قاصاً أمام الناس وأمام نفسه. ولاحقاً أصدر مجموعته القصصية "الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة"، لتليها "عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل" التي يعدّها تجربة كتابية مختلفة، فلأول مرّة يشتغل في مجموعة قصصية على شخصية واحدة، واختار لهذه الشخصية اسم عبد الفتاح المنغلق ليشي بتذبذبه وضعفه في الحياة، انفتاحه عليها وانغلاقه في الوقت نفسه، فيما انطلقت روايته "الذي لا يحبّ جمال عبد الناصر"، التي لاقت صيتاً واسعاً، وصدرت لها أخيراً طبعة جديدة عن دار الشروق المصرية، من بورتريه كتبه عن شخصية وصفها بالعجيبة من المحيطين به؛ رجل مصري سبعيني، متديّن، ولكنه لا يطيق مجرد اسم الزعيم جمال عبد الناصر، وسرعان ما تحوّل النص من بورتريه سردي إلى رواية، جلّس المعمري أحداثها على تحولات الواقع العُماني في لحظة تاريخية محدّدة.

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.