سرّ استدعاء واشنطن تفجيرات 11 سبتمبر

سرّ استدعاء واشنطن تفجيرات 11 سبتمبر

13 سبتمبر 2021

ورود فوق النصب التذكاري في نيويورك لأسماء ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر (11/9/2021/Getty)

+ الخط -

وقع تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، والهجوم على البنتاغون في واشنطن، في 11 سبتمبر/أيلول 2001، أي قبل عشرين عاماً. ولولا تزامن الذكرى هذا العام (المتمم للعقد الثاني منذ وقوع التفجيرات) مع عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، والخروج المخزي للقوات الأميركية من هناك، لما التفت أحد إلى ذكرى "11 سبتمبر"، ولما حظيت بالتغطية الإعلامية الموسعة التي حظيت بها هذا العام، خصوصا أن الذكرى العاشرة لم تنل ما تستحق من الاهتمام الرسمي والإعلامي، على الرغم من تزامنها مع "الربيع العربي" الذي ضرب دولا في المنطقة، وجعلها معرّضة لتغييرات داخلية مهمة.
من هنا، يمكن اعتبار سبب الاهتمام الذي يبدو مبالغاً فيه بالذكرى العشرين إلى الأجواء الضبابية التي خلّفها الانسحاب الأميركي غير المدروس من أفغانستان، والذي دفع أوساطاً مهمة رسمية وشعبية في العواصم الكبرى في العالم إلى التحذير من نتائج ذلك الفراغ الذي تركته واشنطن بلا مبالاة ولا استشعار للمسؤولية. وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى، مثل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي أبدت دهشة بالغة ومخاوف كبيرة من انفلات الأوضاع داخل أفغانستان، وفي محيطها الإقليمي، وحمّلت واشنطن المسؤولية كاملة عن هذا الوضع. وجاءت مواقف قادة وزعماء آخرين كُثر على منوال ميركل. بينما وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الانسحاب الأميركي بتلك الطريقة إقرارا بالهزيمة والفشل.
أمام هذا المد العالي لموجة الانتقادات لطريقة الانسحاب الأميركي من أفغانستان ووتيرته ودلالته، يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن قرّرت شن حملة دعاية مزدوجة الأهداف. حملة تجمع بين الدفاع عن الخروج السريع غير المنظم واستدرار التعاطف المحلي والخارجي مع واشنطن. وجسّدت تصريحات بايدن، في الأيام الماضية، بوضوح، النزوع إلى تبرير طريقة الانسحاب ووتيرته، فقال إن البقاء لم يكن ليحسّن الوضع، وإنما كان سيُفضي فقط إلى مزيد من الخسائر والأعباء. وهو المنطق الذي سخّر بايدن من أجله طاقم إدارته المعني بالسياسة الخارجية خلال الأسبوعين الماضيين.
وفي مسار جلب التعاطف، زار جو بايدن ونائبته كامالا هاريس مواقع تفجيرات سبتمبر، فيما أعادت كل وسائل الإعلام الأميركية بث ونشر صور التفجيرات وفيديوهاتها، وامتلأت المواقع الإلكترونية بتغطيات معلوماتية مفصلة عنها، تضمنت التسلسل الزمني للأحداث بالدقيقة والثانية، ومعلومات كاملة ليس فقط عن المتهمين بتنفيذ العملية، وإنما أيضاً عمن يفترض أنهم المخططون لها، خصوصاً الشخصيات الرئيسية، مثل خالد شيخ محمد ورمزي بن شيبة.
وامتد الاهتمام الأميركي إلى المؤسسات البحثية، مثل مجلس الشؤون الخارجية وكارنيجي وغيرهما، عبر نشر تحليلات تتناول الموضوع من زوايا جديدة، منها مثلاً "ماذا لو لم تقع تفجيرات سبتمبر؟" و"النجاح الكارثي الذي حققه بن لادن". وهكذا يبدو المشهد الأميركي كما لو كان عزفاً جماعياً للحنٍ مكتوبٍ بدقة.
للمرة الأولى منذ عقدين، تستدعي واشنطن تفاصيل التفجيرات، وتجترّ أحزانها بهذا القدر من الإلحاح والمباشرة. ومن الصعب أن تؤتي تلك الحملة أُكلها، وتنحسر موجة الانتقاد الحادّة لإدارة بايدن، ما لم تذكّر الإدارة الأميركية العالم بالصلة القديمة بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان. بل ستجد واشنطن أن عليها أيضاً تقديم ما يثبت أن تلك الصلة لا تزال قائمة. وليس ذلك عسيراً على السياسة الأميركية، خصوصاً مع وجود بقايا متناثرة لـ"القاعدة" تسهُل لملمتها وتنشيطها مجدّداً. لكن الأرجح أن تختار إدارة بايدن الطريق السهل لشغل العالم وإلهاء الأميركيين، وتستخرج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مرة أخرى، ليحل محل "القاعدة" في رواية الارتباط بـ"طالبان"، لينسى العالم فضيحة الخروج المهين، وينشغل بالفزّاعة الجديدة القديمة التي يعاد إخراجها وإنتاجها كلما اقتضت الحاجة.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.