سد النهضة .. استقطابات في غير موضعها

سد النهضة .. استقطابات في غير موضعها

10 ابريل 2021
+ الخط -

على الرغم من أن تعبير "المسؤولية الوطنية" يغلب استخدامه في الشعارات والمزايدات، لا الواقع، إلا أنه يناسب تماماً الحديث عن سد النهضة، حيث التحدّي الوجودي يهدّد كل مصري حرفيا. لكن خطابات تصدر من مختلف الأطراف السياسية المصرية لا تظهر تحليا بتلك المسؤولية، بل تتحوّل القضية إلى موضوع توظيف سياسي بحت، وأبرز صوره اختيار حدث بعينه وشيطنته، بهدف تحميل الخصم كامل المسؤولية. ومن المؤسف أن يكون الخطاب الرسمي هو أول مفجر للانقسامات، وذلك عبر تكرار الرئيس المصري وإعلاميين موالين تحميل اللوم لثورة يناير.

من الناحية السياسية، هذا خطاب مستغرب، حيث يحوّل البوصلة فوراً إلى انقسام على أساس تأييد الثورة أو عدائها، وفي كلا المعسكرين ملايين المصريين. الخطاب المسؤول سياسيا يتطلب الوحدة لا التفريق. ومن ناحية الحقائق هو خطاب مضلل بامتياز، حيث يتجاهل أن الأزمة تمتد إلى سنوات قبل الثورة، ظل فيها نظام حسني مبارك مترهلاً عاجزا، فقد دخلت إثيوبيا في مفاوضات مطولة مع دول النيل استغرقت نحو عقد، قبل أن تتوج في العام 2010 باتفاقية عنتيبي التي تعلن إلغاءً من جانب واحد للاتفاقات التاريخية. وقد سبق ذلك في 2009 تنفيذ إثيوبيا مسوحا لموقع السد، ثم في 2020 تم إعلان الانتهاء من تصميمه. كما أن ثورة يناير لم تحكم يوماً، بل تسلم المجلس العسكري السلطة فوراً، وظلت المؤسسات العسكرية والأمنية قائمة.

على الجانب المقابل، فإن توقيع عبد الفتاح السيسي اتفاقية المبادئ عام 2015 تم تحميله بدوره كما هائلاً من الأساطير، بدءاً من ترديد أنه اتفاق سرّي، وهو ما يذكرنا بأسطورة البنود السرية لاتفاقية كامب ديفيد. كما كرر معارضون أن هذا الاتفاق ألغى الاتفاقات التاريخية، وتنازل بموجبه السيسي عن حصة مصر، وانتهى كل شيء بالفعل!

معلومة بحتة، لا يوجد أي بند في الاتفاقية، ولا في أي تصريح مصري أو سوداني، أي تنازل عن حصص المياه التاريخية، وهذا سبب جوهري لفشل المفاوضات مرة تلو مرة. وللمفارقة إذا راجعنا نصوص خطابات مندوبي الدول الثلاث إلى مجلس الأمن في 2020، نجد أن المندوب الإثيوبي لا يتطرّق لاتفاقية المبادئ، إلا في معرض طرح تفسير التفافي لادعاء أن تنفيذ الملء الأول للسد أحادياً لا يخالفها. لماذا لم يخرج لهم هذه الوثيقة الشافية فيتنهي الأمر؟ بل إن بعض الإثيوبيين يلومون نظامهم على توقيع الوثيقة، لأنه تنازل مجاني، فأعمال بناء السد كانت قد تجاوزت 40% في يناير/ كانون الثاني 2015، وقد أمكن لإثيوبيا تجاوز عقبة عدم توافر التمويل الدولي، عبر التمويل المحلي بسندات للإثيوبيين، ثم بتمويل صيني.

يختلف الخبراء المصريون والسودانيون بشأن مدى إيجابية ذلك الاتفاق أو سلبيته، لكن بالتأكيد لا إقراره ولا الخروج منه الآن يمثل حلاً سحرياً، فليوضع في حجمه. هو ليس معاهدة دولية مسجلة في الأمم المتحدة، بل هو كما يقول اسمه مبادئ بشأن طريق التوصل إلى هذه المعاهدة.

على جانب ثالث، اجتماع القوى السياسية الفضائحي حول سد النهضة الذي نظمه الرئيس الراحل، محمد مرسي، نال بدوره نصيباً من تلك الشيطنة المُسيسة، حتى أن إعلاميين، مثل عمرو أديب وأحمد موسى، أعادوا نشر مقاطع منه مرارا، لتحميل مرسي مسؤولية الأزمة.

لكن واقعيا، وعلى الرغم من فداحة ما حدث، إلا أنه بدوره لم يغير المعادلة. لا يشير المفاوضون الإثيوبيون حاليا إليه مطلقا، وقد كان التعنت الإثيوبي سابقا عليه، فهذا الاجتماع كان أصلاً رد فعل بعد تحويل إثيوبيا في 27 مايو/ أيار 2013 مجرى النيل الأزرق، ضمن عمليات البناء المتسارعة بشكل أحادي.

يحفل تاريخ مصر الحديث بالحكم غير الديمقراطي، وبمعارك المعارضة السياسية. ولكن طالما بقى حد أدنى يمكن أن يعمل الجميع لدعمه، ولو بطرق مختلفة ومنفصلة، كما بالجهود ضد الاحتلال الإنكليزي، ثم العدوان الإسرائيلي، وحتى استعادة طابا بالتحكيم الدولي شارك بها خبراء قانونيون معارضون.

وتظل المسؤولية الأولى تقع على عاتق النظام، والذي هو الأبعد عن أي ممارسة سياسية بين كل سابقيه، ثم بعده تقع على عاتق الجميع.