روسيا وسلاحها الأخطر

روسيا وسلاحها الأخطر

17 ابريل 2022
+ الخط -

بدا الرئيس الأميركي، جو بايدن، متقدّماً بعدة خطوات عن نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عندما حذّر من أي استخدامٍ للأسلحة الكيميائية، وقد اختُبرت روسيا في سورية، حيث استُخدم هذا السلاح لإرهاب المجموعات المعارضة المحاصرة، وتشكيل ضغطٍ إضافيٍّ على المدنيين، ما يعجِّل في اجتياح المنطقة بخسائر أقل. وفي أوكرانيا واجهت القوات الروسية صعوباتٍ في محاولة تطويق كييف، فأطلق بايدن تحذيراته الكيميائية، ولكن بوتين غيّر تكتيكه، عندما حوّل تلك القوات نحو الشرق والجنوب، لإحكام الحصار على ماريوبول ومناطق الدونباس الانفصالية. وعلى سبيل التصعيد، هدّدت روسيا على لسان رئيسها السابق، ديميتري ميدفيديف، بنشر سلاح نووي في الشمال على الحدود مع فنلندا، بما يعني أن روسيا تحاول رسم خطٍّ جديد يمثل حدوداً تفصلها عن حلف الناتو، يمتدّ من الشمال على الحدود الفنلندية، مروراً بدول البلطيق وبيلاروسيا، ووصولاً إلى أوكرانيا التي يرغب بوتين في عزلها عن البحر الأسود، وفصل الدونباس عنها، وربطها بمعاهدةٍ تبقيها بعيدةً عن "الناتو". وهذه النيات أشبه بقفزة تتجاوز خطوات بايدن الاستباقية، فالسلاح النووي الذي أشير له يمتلك قدرة تدمير أكبر وذات طبيعة استراتيجية. واستخدامه، أو التهديد به، يعني تخطيطاً طويل الأجل، وقد استعمل هذا السلاح مرة واحدة في الحروب، وما زالت آثار استخدامه موجودة، بعكس السلاح الكيماوي الذي يُراد منه نصر سريع وتكتيكي. وبوتين يبدو راغباً في بناء قوقعة متينة، تبقيه بعيداً عن ذراع "الناتو" يختفي فيها ويمارس السياسة كما يشاء.

لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بانتحار هتلر، ولا بدخول الاتحاد السوفييتي والحلفاء الغربيين برلين، وإسقاط حكومة الرايخ الثالث، وتوقيع من بقوا من القيادة الألمانية صكّ استسلام غير مشروط. انتهت عملياً بإسقاط قنبلتين نوويتين على مدينتين يابانيتين. أرادت الولايات المتحدة من ذلك أن تَعرض حجم القوة التدميرية التي تملكها، وتُجبر اليابان على التوقف عن الحرب، وليشهد العالم كله حفلة ألعاب نارية من نوعٍ مبتكر، تُظهر الذراع القوي الذي أصبحت الدولة الغافية على الشاطئ الآخر من الأطلسي تتمتع به، وكأن الرسالة موجهةٌ بشكل خاص إلى الاتحاد السوفيتي الذي وصل إلى قلب برلين، بوسائل حربيةٍ تقليديةٍ، فحينها لم يكن يمتلك قدراتٍ نووية، وبقدر ما أوجدت قنبلتا هيروشيما وناكازاكي من رعب أجبر اليابان على الركوع لأميركا حتى هذه اللحظة، أوجد هذا السلاح حافزاً لدى الدول الأخرى التي شاركت في الحرب على الوصول إلى الحافّة النووية، وخصوصاً الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا، فلم تلبث هذه الدول أكثر من عشر سنوات على نكبة هيروشيما، حتى تحوّلت جميعها إلى أعضاء في النادي النووي.

ينظر بوتين الآن إلى الشمال وحدوده الطويلة مع فنلندا، ويطلق تحذيراتٍ بشأن دخولها إلى حلف الناتو، وهو يرغب في إبقائها بحالةٍ تشبه الحالة الأوكرانية، وفنلندا التي كانت خاضعة للقيصر حتى ثورة البلاشفة، وشاركت قواتها مع الألمان في حصار لينينغراد، رضخت للضغط السوفييتي، وقبلت أن تتنازل عن عشرة بالمائة من مساحتها مقابل الحفاظ على الاستقلال، بعد أن ربطها ستالين باتفاقياتٍ تبقيها بعيدة عن الغرب، وهي الاتفاقيات التي منعتها من قبول مساعدات مشروع مارشال الأميركي .. رغم أن فنلندا ذات نظام برلماني ديمقراطي حرّ، إلا أن سياستها كانت تراعي الاتحاد السوفييتي، وقد اعتمدت نهضتها الصناعية ورفاهيتها فيما بعد الحرب على المداخيل الكبيرة في التجارة مع السوفييت، وأصيب اقتصادُها ببعض العطب والركود إثر سقوط الشيوعية. رغم ذلك، أبقت على أواصرها السابقة، ولم تنضم إلى حلف الناتو. لكنّ أصواتا فيها بدأت تعلو اليوم تحذر من خطر بوتين، ومن جغرافيتها التي تجعلها في موقف يشبه الذي تعاني منه أوكرانيا، فأبدت رغبتها في دخول "الناتو"، وعلى بايدن الآن تجاوز التحذيرات بشأن الأسلحة الكيميائية التي يمكن أن يستخدمها بوتين، والاستعداد لمواجهةٍ أكبر، قد يكون السلاح النووي جزءاً منها.