رهانات مؤتمر "العدالة والتنمية" المغربي

23 ابريل 2025
+ الخط -

يعقد حزب العدالة والتنمية المغربي مؤتمره التاسع نهاية الأسبوع المقبل في ظرف داخلي وخارجي متقلّب مرتبط بالسياقات العامة للأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب على غزّة، وما سوف تتمخض عنها من تحوّلات كبرى قد ترهن مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة سنوات طويلة مقبلة. وعلى المستوى الداخلي، يأتي انعقاد مؤتمر أول حرب سياسي إسلامي ممثل داخل المؤسسات الرسمية للدولة، سبق له أن قاد الحكومة ولايتين متعاقبتين، وهو ما لم يتحقّق لأي حزب قبله، في وضع صعب يعيشه المغرب منذ مدة على وقع تقلبات اجتماعية مسّت بالقدرة الشرائية للمواطن نتيجة غلاء المعيشة وضعف القوة الشرائية، ما يزيد من الضغوط اليومية على الأسر المغربية، وخاصة الطبقات الوسطى والهشّة، وارتفاع البطالة المستشرية، خصوصاً في أوساط الشباب وحاملي الشهادات، وتدهور الوضع الاجتماعي بتراجع جودة الخدمات العامة خاصة في مجالات الصحة والتعليم العموميين.

كل هذه الظروف مجتمعة، محلية وإقليمية، أدّت إلى تفشّي نوع من الإحباط الاجتماعي واليأس من الإصلاح من داخل المؤسّسات أو من خارجها، ومن القدرة على التغيير ووقف نزيف الفساد الذي ينخر بنية الدولة والمجتمع، يغذّيها شعور عام بالغضب، خاصة داخل الأوساط المتوسطة والفقيرة التي تفتقر إلى الوسائل البديلة، وتبحث عن المخلص من حالة انسداد الأفق محلياً وإقليمياً، والقادر على إعادة بناء ثقة المواطن في نفسه واستعادة الثقة بينه وبين الدولة.

على المستوى التنظيمي، سوف تهيمن على أعمال مؤتمر "العدالة والتنمية"، نقطتان. الأولى، انتخاب أمين عام للحزب أو التجديد للأمين العام المنتهية ولايته. وفي عرف الحزب، المؤتمريون من يرشّحون المؤهلين لقيادة الحزب للتصويت عليهم. في آخر مؤتمر للحزب عقد في 2021، قاعدة الحزب هي التي استدعت عبد الإله بنكيران، الذي سبق أن رأس الحزب ولايتين سابقتين متتاليتين ورأس الحكومة عهدة واحدة، لإنقاد الحزب بعد الزلزال الذي ضربه في انتخابات تلك السنة التي حلّ فيها في آخر لائحة الأحزاب من حيث عدد المقاعد المحصّل عليها، إذ بالكاد حصل على 13 مقعداً بينما كان يتربع على قائمة الأحزاب في البرلمان، قبل 2021 بنحو 125 مقعدا، ما خوّله آنذاك قيادة الأغلبية وترؤس الحكومة. ومراعاة للطريقة التي أدار بها بنكيران السنوات الأربع الماضية، من المرجّح أن القاعدة نفسها سوف تتشبث به أميناً عاماً للحزب، خاصة وأنه ومن تصريحاته وتلميحاته يبدو مستعدّاً لتولي ولاية رابعة لو جرى ترشيحُه، ما يطرح السؤال حول قدرة الحزب على انتاج قيادات شابة، وتأثير ذلك سلباً على صورته الخارجية.

بات الرأي العام المغربي يعرف أن قادة حزب العدالة والتنمية قادرون على تغيير مواقفهم كلما تغيّرت مواقعهم

النقطة الثانية في مؤتمر الحزب، إقناع الرأي العام المحلي بأنه يعارض قولاً وفعلاً التطبيع مع إسرائيل، وهذه ليست مهمّة سهلة، لأنها هي التي قد تعيد الثقة إلى بعض أتباعه ومشايعيه الذين ابتعدوا عنه، بعد توقيع أمينه العام السابق، سعد الدين العثماني، على اتفاقات أبراهام المشؤومة، في القصر الملكي، عندما كان يرأس الحكومة، ما جرّ على الحزب غضب الشارع المغربي، ودفع حركة التوحيد والإصلاح، التي تعد بمثابة الجناح الدعوي للحزب، إلى عدم تشجيع أعضائها ومشايعيها للتصويت لصالحه في انتخابات 2021، وكانت النتيجة كارثيةً على الحزب الذي جاء متذيّلاً قائمة الأحزاب الممثلة داخل البرلمان الحالي. وفي هذه النقطة، لا يكفي أن يدعو الحزب ممثلين عن حركة حماس، لحضور مؤتمره، لاستعادة موقعه داخل المشهد السياسي المغربي، خاصة وأن الرأي العام المغربي بات يعرف أن قادة هذا الحزب قادرون على تغيير مواقفهم كلما تغيّرت مواقعهم. ولذلك سيكون مطلوباً من الحزب وقادته التحلي بكثير من الشجاعة، وتقديم نقد ذاتي واضح، والتقدّم باعتذار رسمي إلى الشعب المغربي، إذا أرادوا استعادة ثقة الناس، وخاصة الناخبين.

اليوم، تُرعب حرب غزّة العالم الإسلامي وتُثير فيه القلق والخوف من المستقبل، وبعد سنوات طويلة من الإهمال، عادت القضية الفلسطينية إلى الاستحواذ على اهتمام المجتمع الدولي، وعلى الرأي العام العربي والإسلامي خاصة. ومنذ بداية هذه الحرب، استثمرها الإسلاميون في بلدانهم، بما في ذلك المغرب، ضد السلطة عبر مسيراتٍ ضخمةٍ تطالب بإسقاط التطبيع، وخطابات تشكك بمواقف الدولة التي يرأس عاهلها لجنة القدس، تجاه دعمها القضية الفلسطينية ومساندتها الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه، كما يردّد ذلك الإعلام الرسمي المغربي. ورغم اختلاف السياقات والظروف، يستحضر الإسلاميون في المغرب كل العوامل المرتبطة بالسياقات العامة للأوضاع الإقليمية، وفي مقدّمتها الحرب على غزّة التي شكلت عاملاً مؤثّراً في الانتصار الذي حققه إسلاميو الأردن في انتخابات سبتمبر الماضي. ففي السنوات الأخيرة، بدا أن الإسلام السياسي، الذي انتعش خلال "الربيع العربي" تراجع إلى الخلفية لصالح ضرورة الاستقرار والتطلعات الاجتماعية والاقتصادية للشعوب، ولكن تجدّد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يضع حدّاً لهذا الخمول، ويعيد فرض اللاعب الإسلامي رقماً صعباً داخل كل معادلة سياسية في بلدانهم، وهذا ما يراهن عليه إسلاميو "العدالة والتنمية" المغربي، المعروف ببراغماتيّته، وقدرته على اقتناص الفرص وتوظيفها لتقوية تموقعه وقدرته التفاوضية من أجل مكاسبه ومصالحه أولاً وأخيراً. وهذه هي نقطة ضعف هذا الحزب، خاصة تحت قيادة أمينه العام الحالي المنتهية ولايته والراغب في تجديدها مرّة رابعة، فهو براغماتي أيد التطبيع مع إسرائيل في البداية وعاد إلى انتقاده ومطالبة الدولة لوقفه، وهو مستعدٌّ غداً لمهاجمة كل يقف في وجه التطبيع والدفاع عنه بأنه يمثل مصلحة الدولة العليا. هذه ليست صورة قدحية لزعيم مزاجي، لكنها الصورة الانطباعية لدى جزء معتبر من الرأي العام داخل المغرب عن حزبٍ يسعى إلى الجمع بين حلاوة السلطة وشرف المعارضة!

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).